يضع لك محلل اقتصادي سعودي رقما مخيفا عن معدل البطالة فيعارضه مسؤول رسمي ويعطيك نصف هذا الرقم، فتحتار بين الرقمين. كلاهما صادق لأن تحديد مفهوم البطالة يختلف كثيراً بين الاقتصاديين والإحصائيين والاجتماعيين. لذا من المهم قبل وضع رقم معدل البطالة أن يتم تعريفها.
إلا أنه يمكن الاتفاق بين أغلب الخبراء والمختصين على تعريف «العاطل» بأنه القادر على العمل الذي تكتمل فيه ثلاثة شروط: البحث عن العمل، الرغبة فيه، وقبول مستوى الأجر السائد. ويتحفظ البعض على الشرط الثالث مشكلاً الخلاف الكبير في السعودية بين الجهات الرسمية من جهة والكتاب الاقتصاديين من جهة أخرى، فالأجر السائد في القطاع الخاص مقبول للوافدين لكنه منخفض جداً للمواطنين.
إذا تجاوزنا هذه الإشكالية، وألقينا لمحة سريعة على نسبة العاطلين عن العمل في السعودية خلال العشر سنوات الأخيرة وفقا لمركز Trading Economics الذي اعتمد على مصادر رسمية، محدداً معدل البطالة بقسمة عدد العاطلين الذين يبحثون عن عمل على إجمالي عدد القادرين على العمل؛ نجد أن معدل البطالة كان حوالي 8% عام 2000 ثم ارتفع تدريجياً ليصل إلى 12% عام 2007، متزامناً مع أزمة الأسهم التي حصلت نهاية عام 2006، لكن المعدل انخفض إلى 9.8 عام 2009، ثم ارتفع قليلا ليصل إلى 10.5 لعام 2011.
بمقارنة هذا المعدل بين البلدان العربية نجد أنه يقع فوق المتوسط. ونفس المقارنة تقال على المعدل العالمي، حيث نجد أن معدل البطالة بأمريكا هو 8.6% وبريطانيا 8.3%، وترتفع بشكل حاد في أسبانيا (22%) واليونان (18%)، وتنخفض إلى 4% في النمسا والدنمرك واليابان وتايوان، وتهبط إلى أقل من ذلك في سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا والنرويج. هذا يعني أن معدل البطالة بالسعودية متقارب مع متوسط المعدل العالمي.
إذا انتقلنا من المقارنة الخارجية إلى داخل تركيبة البطالة بالسعودية نجد أن أهم ملاحظة هي أنها تتركز في شريحة الشباب. وإذا كان هذا متوقعاً فإن المدهش أنها تصل إلى أن نسبة 88% من العاطلين ممن هم تحت سن الخامسة والعشرين مقابل حوالي 12% بين 25 و 39 سنة، وتكاد النسبة تنعدم فوق ذلك السن. هذا يؤكد حسب دراسة عن البطالة في الوطن العربي لأحمد المغازي (مركز أسبار) أن البطالة العربية هي بالأساس بطالة هيكلية لتركزها بشكل أساسي بين خريجي مراحل التعليم. كذلك نجد في تركيبة البطالة زيادة مضاعفة في معدل البطالة بين الإناث عنها بين الذكور، حيث بلغت في السعودية 27% للإناث مقابل حوالي 7% للذكور لعام 2008.
تركز البطالة بين الشباب وزيادتها المضاعفة لدى الإناث يقودنا إلى أهم المفارقات في علاقة البطالة بالتعليم. فإذا كان أهم أهداف التعليم هو تنمية القدرات والمهارات ومن ثم دعم سوق العمل، فإن الذي حصل هو أن البطالة زادت مع زيادة مستوى التعليم، فنسبة حملة الشهادة الابتدائية من العاطلين عن العمل في السعودية بلغت 20%، بينما ارتفعت إلى الضعف بنسبة 38% للمستوى الثانوي و 42% لمستوى التعليم العالي لعام 2008. وحسب دراسة أحمد المغازي، يرجع ذلك إلى أن الأقل تعليماً هم أكثر مرونة في قبول العمل بأجره المتدني. كما أن تراكم عدد الخريجين في تخصصات لا يحتاجها سوق العمل أحدث فجوة بين العرض والطلب على العمالة المؤهلة.
ورغم تلك البطالة فإن السوق السعودي لا يزال مزدهراً وبه فرص عمل فائضة لكنها تتطلب كفاءات عالية، بينما المتوفر هم من ذوي الكفاءات المتواضعة التي أخرجتها مؤسسات التعليم والتدريب. هذا يوضح أن منظومة التعليم لم تستطع أن تلحق بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، فصارت تخرج أعداداً هائلة من حملة الشهادات دون الاهتمام بالنوعية.. بالكم دون الكيف. كل ذلك يؤكد حسب تقرير منظمة العمل العربية تدني التوافق والمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل من جهة، ونقص الخدمات الداعمة للتشغيل من جهة أخرى.
ومن الملاحظات المدهشة في تركيبة البطالة هي زيادتها في المدن عن الأرياف، رغم أن الانتقال إلى المدن يتم بداعي وفرة فرص العمل بسبب تعدد الأنشطة الاقتصادية، وارتفاع مستوى الأجور والمستوى المرتفع للخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية مقارنة بالأرياف. ففي تحليل إحصائي لأحمد المغازي للدرجات المعيارية تبين وجود علاقة إيجابية بين نسب التحضر (الانتقال من الريف إلى المدن) والبطالة في السعودية. وتفسير ذلك بأن الضغط الهائل على الخدمات في المدن وعدم قدرة الأنشطة الاقتصادية على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة المنتقلة إلى المدن نتج عنه في النهاية ارتفاع معدلات البطالة في المدن أكثر مما في الأرياف!
والأغرب من كل ذلك أن الاقتصاد السعودي ينمو جيداً والميزانية هي الأعلى مقارنة بالسنوات السابقة، وسوق الأسهم يرتفع وإن كان ببطء، كما أن الطلب للعمل مزدهر، فهناك ملايين من غير السعوديين يمارسون وظائف في السعودية، بينما البطالة تزيد، أو لا تقل! كما تعمل الحكومة السعودية جادة على حل مشكلة البطالة عبر مشاريع إصلاح اقتصادية بتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وآخرها برنامج حافز وهو مشروع وطني عظيم الأهمية لإعانة الباحثين عن عمل، حيث يتم صرف مخصص مالي شهري للعاطلين وفقا لشروط معينة كاستمرار البحث عن العمل بشكل جاد، إضافة لتوفير برامج تدريب وتأهيل لدعم فرص الحصول على الوظيفة المناسبة.
فبعد كل ذلك لماذا لا تنخفض نسبة البطالة؟ هل هي دورة رأس المال العالمية وأزمتها الدورية، والاقتصاد السعودي المنفتح عالميا متأثر بها؟ هل هي في سوء مخرجات التعليم أو في سوء التطبيقات للسياسات الاقتصادية التي توجهها الحكومة؟ أحد الإجابات ترى أن سوق العمل السعودي بدأ يتركز الآن على القطاع الخاص لأن القطاع العام قد تشبع، والقطاع الخاص يتطلب مهارة أعلى من مجرد شهادة تعليمية كان يقبلها القطاع العام، وكان يقبلها كضمان اجتماعي أكثر من حاجة اقتصادية، بينما القطاع الخاص ليس كالحكومي، بل يرتكز على مبدأ تجاري الربح والخسارة إلا أن الأجور التي يقبل بها الوافدون لا يقبل بها المواطنون.. وبين المهارة والأجر تتراوح مشكلة البطالة بين مستوى التعليم ومستوى الوظيفة..
alhebib@yahoo.com