كان يومُ الاثنين قبل الماضي غرة صفر 1433هـ، يوماً مشهوداً، حين تعانق ذلك اليوم مع ذكرى غالية على المعنيين بالحراك الإداري في مملكتنا الغالية، تلك هي ذكرى تأسيس مجلس الوزراء في بلادنا الغالية قبل ستين عاماً على يد المؤسسَّ الخالد، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، الذي أصدر مرسوماً ملكياً كريماً في غرة صفر من عام 1373هـ قضى بإنشاء أول مجلس للوزراء في المملكة، وقد نشر المرسوم في صحيفة (أم القرى) ضمن عددها الصادر يوم الثامن من شهر صفر من ذلك العام.
كان يؤمل أن يفتتح الملك المؤسس -رحمه الله- ذلك المجلس للمرة الأولى خلال الفترة القصيرة اللاحقة لتاريخ تأسيسه، إلا أن المرض لم يمهله طويلاً، وأدركته الوفاة في شهر ربيع الأول من ذلك العام 1373هـ، ثم افتتحه خليفته جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراهما، بتاريخ 3-7-1373هـ، أي بعد خمْسة أشهر من تأسيسه، وفي ذلك اليوم، دخلت مملكتنا الغالية مرحلة التحديث الفعلي لجهازها الإداري، بانعقاد أول جلسة لمجلس الوزراء فـي تاريخها، ضمت عدداً قليلاً من الحقائب الوزارية، من بينها وزارات الدفاع والداخلية والمالية.
إن ذكرى كهذه يجب أن لا تمرَّ مروراً عابراً دون التنويه عنها، وتأملها حدثاً وقيمةً ومعنىً، ولذا، فقد تضمن البيان الإعلامي لمجلس الوزراء خلال جلسته بتاريخ 1 صفر من هذا العام 1433هـ - التي خصصت لعرض وإعلان الميزانية العملاقة للعام المالي الجديد 1433-1434هـ - تضمن وبتوجيه كريم، تنويهاً عن هذه الذكرى، أشاد بهذه المؤسسة السيادية المهمة جداً، باعتبارها تجسَّد معالمَ الحُقَبِ القائمة والقادمة من النمو والبناء لهذا البلد الطموح، كما تؤكد رغبةَ القيادة الحكيمة فـي البدء بـ(مأْسسة) بنيتها الإدارية والتنموية على أعلى مستوى، وقد تضمن البيانُ الإعلامي آنف الذكر إشادةً موجزة تعبيراً عن الاحتفاء بهذه الذكرى الغالية، واصفاً خطوةَ إنشاء مجلس الوزراء بأنها كانت ذات قيمة وطنية وتاريخية مهمة جداً، إذ ارتبطت بكيان سيادي لعبَ ويلعبُ أدواراً مصيرية على مدى ستة عقود من الزمن في تنظيم وترتيب مصالح البلاد والعباد بناءً ونماءً ورخاء!
وفي سياق موازٍ لما ذكر، استقبلتُ وزملائي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء قبل نحو أسبوعين ذكْرى تأسيس المجلس الموقر بفرح وفخر، خصوصاً وأنها تزامَنتْ توقيتاً مع موعد الجلسة التاريخية لمجلس الوزراء التي خصصت لبحث وإقرار ميزانية الخير لهذا العام المالي 1433-1434هـ.
وهكذا يمضي مجلس الوزراء السعودي في ممارسة دوره الإداري والتنموي خدمةً لهذا الكيان الخالد، مستهدياً بالسياسة الحكيمة التي تضع مصالحَ إنسانِ هذه البلاد في قمّة أوْلوياتِها أمناً وزاداً وصحةً وتعليماً ونقلاً وإسكاناً وغير ذلك من رَوافِد الحياة الكريمة، مستفيدةً في الوقت نفسه بما أفاء الله عليها من نِعَمٍ لم يَسبقْ لها مثيلٌ فـي تاريخها.
وبعد..،
فإن ذكْرَى تأسيسِ مجلس الوزراء السعودي قبل ستين عاماً، وتزامن موعد الذكرى هذا العام فـي غرة صفر 1433هـ مع إعلان ميزانية القرن يجعلنا بدْءاً نحمد الله حَمْداً كثيراً على تَوالي النَّعم مقترنةً بالأمن والاستقرار والرفاه، وسَطَ زلازِلَ من المحن السياسية، تدورُ رُحاها فـي أكثر من مكان من عالمنا العربي منذ نحو عام.
وهي تُوجبُ علينا في الوقت نفسه أن نتذكَّرَ أن المالَ وحدَه، مهما سَما قدرُه ونَمتْ قيمتُه، لا يصْنعُ وحدَه المنجَزاتِ تحقيقاً لطموحاتِ الشعوب ما لمْ يتَّحدْ مع الإرادة الفاعلة والإدارة الحازمة والعزم الأكيد للعمل على تحقيق تلك الطموحات، وتَحويلها إلى حقَائقَ مشهودة ينعم بها القاصي والداني من أبناء وبنات هذا البلد المعطاء، وسدد الله خطا العاملين المخلصين.