في خضم انشغال الرسميين العرب بالمأزق السوري، الذي لا يبشر بنهاية قريبة، على ضوء مناورات النظام السوري، وتراجع القضية الفلسطينية إلى مراتب ثانوية في ظل الاهتمام الرسمي العربي المنشغل بالتعامل مع ارتدادات ما يسمى بالربيع العربي، يتعرض الفلسطينيون إلى ضغوط أمريكية وأوروبية لإعادتهم إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، رغم عدم جدوى هذه المفاوضات التي لم تحقق شيئاً للفلسطينيين طوال ثمانية عشر عاماً من التفاوض، في حين أتاحت للإسرائيليين التوسع في إنشاء المستوطنات، وتوسيعها، وبناء الجدار العنصري العازل، وتقسيم الأراضي الفلسطينية.. ولهذا فإن الدعوة للعودة للمفاوضات عبر طريق بحث الحدود والترتيبات الأمنية دون إعلان إسرائيل بوضوح ومن دون مواربة التزام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، بما فيها حدود الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأرض المحتلة بعدوان عام 1967م، ودون الوقف الكامل للاستيطان، تُعَدّ تسويفاً ودعماً لما تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي من تغيير الوقائع وفرض أمر واقع، سيصعب تغييره.
ولهذا فإن دعوة الرباعية الدولية إلى الاجتماع في عمَّان بحضور الفلسطينيين والإسرائيليين لن تجد ولن تتمخض عن نتائج على صعيد فتح أفق سياسي، يفضي إلى نَيْل الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس، في ظل سياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي الرافضة الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ووقف استعمارها الاستيطاني، والموقف المتخاذل وغير المسؤول للرباعية الدولية التي لم تحرِّك ساكناً لوقف التجاوزات الإسرائيلية؛ فالرباعية الدولية التي تلهث وراء عودة المفاوضات لم يصدر عنها أي موقف تجاه ما تقوم به حكومة نتنياهو المتطرفة من تهديدات، ومن توسيع وبناء للاستيطان الاستعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة ومحاولاتها الحثيثة لتهويد القدس وطرد مواطنيها، وهدم البيوت، والقصف المستمر لقطاع غزة..
واللجنة الرباعية الدولية لم تشغل نفسها حتى بشجب ما يقوم به المستوطنون الإسرائيليون من جرائم مستمرة بحق الفلسطينيين، بدعم من جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها قطع الأشجار، والوقوف على الحواجز العسكرية، والقيام باعتداءات ضد المواطنين العُزَّل.
اللجنة الرباعية الدولية، التي تلهث وراء عقد اجتماع تلو الاجتماع لترتيب استئناف المفاوضات، تعلم أن مثل هذه المفاوضات لن تجدي نفعاً في ظل الانحياز الأمريكي الصارخ، واللا مبالاة والسكوت الأوروبي الذي يعجز حتى عن الاحتجاج على الانتهاكات الإسرائيلية اليومية؛ ولهذا فإن موقف الفلسطينيين هو رفض العودة إلى مثل هذه المفاوضات ما لم تستند إلى مرجعية واضحة تلزم إسرائيل بالوقف الكامل للاستيطان، ومراجعة ما تم بناؤه، وإعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، بما فيها حدود الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967م.دون ذلك فإن الحديث عن العودة إلى المفاوضات حديثٌ عبثيٌّ، لا طائل منه.