|
الجزيرة - الرياض
أسست الأسواق الناشئة ذاتها خلال العقد الماضي كجزء متزايد الأهمية من الاقتصاد العالمي، حيث شكل الناتج القومي لها آنذاك ربع الناتج العالمي في بداية القرن الحالي، ويتوقع أن يرتفع ليشكل 80% بحلول العام 2040م في حال استطاعت تلك الدول الإبقاء على معدلات النمو فيها طوال هذه الفترة كما كانت طوال السنوات العشر السابقة. وبينما يبدو هذا الأمر غير مرجح، من الواضح أن موازين القوى الدولية مستمرة في التغير بسرعة كبيرة مستندة إلى قوة عوامل النمو الهيكلية في آسيا وأميركا الجنوبية، وضعفهما النسبي على مستوى الاقتصادات المتقدمة في الغرب. ومن المرجح أن تحتاج الدول الغربية القيادية لعدة سنوات حتى تتمكن من استعادة زخم النمو، وعندها سيواجه العديد من تلك الدول تغيرات ديموغرافية هائلة بسبب التعداد السكاني الذي يغلب عليه كبار السن .مناعة الأسواق الناشئة باتت واضحة للعيان خلال الأزمة العالمية الحالية، فعناصرها الديموغرافية الفاعلة، والاستقرار الاقتصادي الذي تتمتع به (غالباً ما يكون نتيجة لدروس مستفادة من أزمات سابقة)، ومستويات الاستثمار العالية جميعها تحافظ على وتيرة متسارعة للنمو حتى في حالة عدم اليقين التي تحيط بالعالم.وفي تعميق لفكرة عدم الاقتران، حتى أسواق تركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا التي شهدت تصحيحات في العام 2009م عادت سريعاً لتحقيق النمو. وفي 2010م، حققت الصين نسبة 1,5 نقطة مئوية من النمو العالمي البالغ 5% بل واستحوذت على حصة تبلغ 1,4% من المساهمة الكلية للاقتصادات المتقدمة مجتمعة. أيضاً، على المدى المتوسط، يبدو أن الأسواق الناشئة ستقود الاقتصاد العالمي بنسبة نمو سنوية يتوقع أن تتجاوز 6% اعتباراً من منتصف العقد الحالي مقارنة بنسبة تتراوح من 1-2% للاقتصادات المتقدمة.
السؤال الرئيسي الذي ينتظر الإجابة عليه يتعلق بقدرة الاقتصادات الناشئة على المحافظة على هذا الأداء المتفوق. ويوضح الإجابة الدكتور ياركو كوتلاين، كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي، خلال حديثه أمام مؤتمر المستثمرين السعوديين السنوي الثالث الذي عقد بالرياض في الرابع من ديسمبر، بقوله أنه هنالك ثلاثة سيناريوهات بديلة للاقتصادات الناشئة، أولها: المزيد من الشيء نفسه، ثانيها: استحقاق النجاح، ثالثها: نهاية المعجزة.وتابع الدكتور كوتلاين «المزيد من الشيء نفسه ربما يبقى السيناريو الأساسي. فهناك عدد من العوامل الهيكلية والسياسية الهامة التي من شأنها أن تقدم مناعة كبيرة لأداء الاقتصادات الناشئة حتى مع التقلب قصير المدى على إثر الصدمات الخارجية المحتملة التي لا يمكن استبعادها، مثل حالة عدم اليقين في أوروبا». الاقتصادات الناشئة الرائدة ما تزال تعيش فترة من النمو الاقتصادي القوي والمضطرد مدعومة بالعوامل الديموغرافية، وتحديثات البنية التحتية، والاستثمار الكبير في الموارد البشرية والمادية.
هذا الزخم مدعوم في كثير من الحالات بالإرادة السياسية القوية بهدف تحقيق أهداف النمو الإستراتيجي. فعلى سبيل المثال: ترى الحكومة الصينية ضرورة تحقيق نسبة نمو سنوية قدرها 8% كحد أدنى في ضوء التحديات الديموغرافية الوشيكة في البلاد نتيجة سياسة الطفل الواحد. وفي العديد من الدول، يجري العمل حالياً على تحديث الأنظمة، وتحسين مستويات الشفافية، ومعالجة الضغوط السياسية، وهذا من شأنه المساهمة في الدفع نحو تحقيق المزيد من النمو الملحوظ. فعلى سبيل المثال، التوسع السريع في الهند تحقق على الرغم من الضعف الكبير في تلك المجالات، إلى جانب الانقسام الطائفي والإقليمي والتقدم الذي تم إحرازه على هذين الصعيدين مما سيسهم في تحفيز معدلات النمو.
لكن مع مرور الوقت خصوصاً، هناك عدد متزايد من الاقتصادات الناشئة التي ستواجه طفرة في النمو وتباطؤاً في النضج، حيث أنها استنفذت العديد من الفرص الاستثمارية الأسهل، بسبب أن تكاليف ممارسة الأعمال التجارية هي نتيجة التحضر والقيود المفروضة على الموارد، وكذلك تقدم أعمار السكان. ويشير الدكتور كوتلاين «إن تجربة ما بعد الحرب في اليابان هي بمثابة سوابق محتملة، حيث تم تحقيق نمو سريع بين عامي 1950م و1980م بفضل النمو السكاني القوي، وارتفاع مستويات الاستثمار».ويضيف الدكتور يارمو «لقد بدأ هذا الزخم في الزوال، وبدأ التعداد السكاني بالتقدم في العمر، وارتفعت تكاليف الأعمال في المدن الكبرى بشكل حاد في ثمانينيات القرن الماضي». إن الانقسام الديموغرافي الذي تواجهه الاقتصادات الناشئة الرائدة سيثبت أيضاً محدوديته بطبيعة الحال. فانخفاض حجم الأسر، وارتفاع متوسط الأعمار المتوقع، وانخفاض معدلات الولادة يعني أن نسبة الإعالة (نسبة العاملين إلى العاطلين عن العمل) سوف تبدأ في الارتفاع. أما المخاطر السياسية، وعدم النجاح في توجيه رأس المال البشري على نحو فعال، من شأنه تسريع هذه العملية بشكل ملحوظ.
مؤخراً، انطوى السيناريو الأكثر تشاؤماً على عكس أوضاع ما قبل الازدهار الحالي للأسواق الناشئة. ويبقى ذلك احتمال في حال فقدان بعض العوامل التي قادت التقدم الذي تم إحرازه في السابق، ويشمل ذلك التجارة، وتحرير القطاع المالي، وتحسين أساليب الحوكمة على المستويات الوطنية والدولية، وأيضاً على مستوى الشركات. ويمكن لصعود النزعة العنصرية وفقدان الزخم في مجال الحوكمة أن يحولا الأسواق الناشئة المبهرة التي ظهرت العام الماضي إلى أسواق ضعيفة.مواطن الضعف الحالية في بعض الدول تعود لطبيعة التحول الراهنة واعتماده على القوى السياسية وعلى أفراد بعينهم. وهناك تحديات إضافية يطرحها الطموح بنمو شامل. التجربة الأوروبية في فترتي الستينيات والسبعينيات تسلط الضوء على الآثار السلبية للنمو المتزايد في سياسات إعادة التوزيع. لكن يوضح الدكتور كوتلاين «طفرة الأسواق الناشئة تواجه قيوداً محتملة أيضاً بسبب طبيعة الموارد المكثفة». وأشار الدكتور كوتلاين «لقد انفجر الطلب على العديد من السلع نتيجة لتوسع الاقتصادات الناشئة السريع من حيث عدد السكان، فمثل هذا الطلب مدعوم غالباً بالمساعدات الحكومية، ويشير هذا النمو السريع في معدلات الطلب إلى المزيد من التحديات من ناحية محدودية الموارد وضغوطات التكلفة. وربما يصبح النجاح مشروطاً بقدرتنا على التوظيف الفاعل للموارد المتاحة لنا».وعلى الرغم من تنوع التحديات التي تواجه الأسواق الناشئة، فإن السيناريو الأرجح هو النمو السريع التدريجي المعتدل مع مرور الوقت. وبما أن الاقتصاد العالمي يواجه تحديات هيكلية كبيرة، فمن المرجح أن تظل الأسواق الناشئة إحدى النقاط المضيئة نسبياً في السنوات المقبلة. ورغم أن بعض المخاطر على النمو تبدو حقيقية، فإنها تميل لتكون أقل خطورة من نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصادات المتقدمة.