في القرآن الكريم الكثير من العبر والقصص، وفيه العديد من الدلائل والبراهين البيانات على ما آلت إليه أحوال أمم وأفراد خالفوا سنن الله وشرائعه، ولهذا أرشد الله وأمر ذوي الألباب أن يتدبروا آيات القرآن ويتفهموها، وأن يتدبروا معانيه، وأن يتفكروا في عواقب المخالفين شرعه وأوامره، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد.
واستجابة لأمر الله وتوجيهه، ووفقا لما يدور في العالم العربي من أحداث وقلاقل وفتن، ما أحرى بذوي الألباب والعقول الراجحة أن يتدبروا هذه الأية الكريمة، قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} سورة القصص (5) (6).
في الآيتين السابقتين إشارة إلى أناس أستضعفوا، هؤلاء الناس إما أن صاحب السلطة عدهم ضعافا، لهذا احتقرهم وأبعدهم وشوه صورتهم وزج بهم في غياهب السجون زورا وظلما، أو أنه صيرهم ضعافا بسطوته وجبروته وقوته، مع أنهم ليسوا كذلك لو لم يمنعوا من حقهم، هؤلاء المستضعفون - في نظر المستحوذين على السلطة - يتمتعون في الواقع بقدرات شخصية وكفايات تبز المستحوذ وتتفوق عليه، بل لديهم من التأهيل والخبرة ما يمكنهم من ممارسة الأدوار القيادية المتقدمة التي حرموا منها، ولكونهم كذلك فقد اقتضت إرادة الله أن يجعلهم أئمة، أي ولاة أمر يرثون أولئك الذين استضعفوهم وحرموهم من ممارسة حقهم في الإدارة والحكم، ليس هذا فحسب، بل إن الله مكنهم ناصية الأمور، وأعلى شأنهم وقدرهم، وفوق هذا، وإمعانا في إغاظة من استضعفهم وإذلالا له، عجل الله للمستضعفين هذه المنة والفضل، وجعل رفعتهم على مرأى ومسمع من إخوان فرعون وزبانيته، الذين استمرأوا الظلم والقهر، وبالغوا في الحذر والتحذير والتخويف من المستضعفين المقهورين، المسلوبة حريتهم وخياراتهم وإرادتهم في المشاركة.
تلك سنة الله، أخبر عنها في القرآن الكريم في آيات محكمة الدلالة والبيان، عبرة للمعتبرين، ونبراسا للعقلاء المقسطين، وها هي سنة الله تتجسد الآن شاخصة في أكثر من بلد عربي، رجال فضلاء كرام، يمتلكون التأهيل والخبرة والقدرة، قدموا أنفسهم دعاة إصلاح، نهجوا كل السبل السلمية الممكنة لإيصال الرأي والمشورة، لم يسمع لقولهم، ولم يأبه لرأيهم، نصحوا وناصحوا ورفعوا الصوت عاليا مطالبين برفع الظلم، وبدل التجاوب معهم، والتفاعل مع مرئياتهم، استضعفهم الطغاة الظلمة، استبعدهم إخوان فرعون بالتزوير، حكم على البعض بالإعدام، وزج بآخرين في غياهب السجون ولمدد تراوحت بين العقد والعقدين، كانت الأجواء قاتمة، لكن إرادة الله غالبة كل قوى البغي والظلم والطغيان، سقط الفراعنة، وتهاوت صروحهم، وتخلى جنودهم وأعوانهم، (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) عندئذ زالت سلطتهم وسطوتهم، فقدوا السيطرة وانكشف عورهم وضعفهم، بعد ذلك خرج المستضعفون من غياهب السجن، خاضوا بشرف ونزاهة ساحات التنافس عبر صناديق الانتخاب، فازوا وتقلدوا زمام السلطة في أعلى المناصب، كل هذا تم أمام أنظار الفراعنة وجنودهم وأعوانهم، فهل من مدكر؟ هل من معتبر؟
ab.moa@hotmail.com