|
نجران – صالح آل ذيبة - حمد آل شرية
تجدهم يتسكعون في كل مكان.. يتغاضى البعض عنهم تعاطفًا والبعض الآخر جهلاً بحقيقتهم، وهم في الواقع يشكلون خطرًا على أمن البلاد ومواطنيها والمقيمين فيها. إنهم مجهولو الهوية.. والمتسللون والمتسولون الذين أصبح وضعهم يمثل ظاهرة يعاني منها الجميع، فكثيرًا ما تشاهدهم في الطرقات الفرعية والأزقة وفي المزارع، وعند إشارات المرور وعلى أبواب المساجد.. وغيرها.
(الجزيرة) تسلّط الأضواء هنا على هذه الظاهرة، من خلال عرض عدد من آراء المثقفين والمختصين والمواطنين الذين يعايشونها، حيث كانت البداية مع محافظ بلقرن سابقًا عضو مجلس منطقة نجران حاليًا سالم بن حمدان المحيريق، الذي قال: الأمن لا يقدّر بثمن، نحن في هذه البلاد الكريمة نعيش في ظل معطيات الخير والأمن والاستقرار الذي تنفرد به هذه البلاد التي كرَّمها الله سبحانه وتعالى، بما لم يكرّم به غيرها وهيأ لها من عَرف أهميتها، وعمَّها الاطمئنان وسادها الخير والرخاء، ولأن منطلقات قادة هذه البلاد الفكرية والسياسية ركزت على العقيدة والوطن ومصالح الأمة، فقد كان من أبرز معطياتها ما تحقق لهذه البلاد من أمن وإنجازات عظيمة في مختلف المجالات، وهذا يتطلب منّا المحافظة على هذه المكتسبات الوطنية.
وبالنسبة للمجهولين يتم القبض عليهم ويسلّمون للجهات المختصة، لتتولى أمر ترحيلهم إلى بلدانهم، أما العمالة السائبة المتستر عليهم فيطبق بحقهم النظام وحق من تستر عليهم وحق من تعامل معهم.
وفيما يتعلق بالمتسولين فإن كانوا أجانب فيرحلون لبلدانهم وإن كانوا سعوديين فيسلّمون لمكتب مكافحة التسول، ويعاملون بموجب الأنظمة الصادرة في هذا الخصوص على أن تكون هذه الحملات مستمرة، ونكون كلنا متعاونين مع رجال الأمن والجهات المختصة في هذا المجال.
كما أن هناك قضية خطيرة أصبحت تشكل آثارًا سلبية على النواحي الاقتصادية، وهي التستر التجاري على العمالة وعدم وجود آلية من قبل الجهات المختصة تعالج هذه الظاهرة، وفي هذه الحالة لا بد من تشكيل لجان سرية تشترك فيها كل الجهات المعنية للمتابعة وضبط كل المخالفات وتطبيق النظام بحق كل مخالف، لأنّ هناك أنظمة وتعليمات تعالج مثل هذه الحالات لكن المشكلة تكمن في آلية التطبيق.
ومن جانبه قال نائب رئيس المجلس البلدي بمنطقة نجران أحمد بن مهدي الحارثي: إن من الأمور التي نشاهدها في الأسواق، وعند إشارات المرور والمساجد حاليًا وبشكل لافت للنظر المتسولين، لاسيما من صغار السن أو من النساء، والغالبية منهم من جنسية عربية مجاورة، والبعض ينظر إلى هؤلاء بأنهم محتاجون فعلاً، وبحكم انصياعهم لقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ }الضحى 10، فنجد من يعطي منهم النقود ومنهم من يعطي هؤلاء المتسولين الملابس والدواء أو الحاجات المادية الأخرى، والبعض الآخر نجده يعاني من الألم لأنّه لا يستطيع أن يفرق بين المحتاج حقًا، ومن يحسب نفسه محتاجًا وهو غير ذلك، هنا نحن أمام حالات نخشى أن تتطور بمنطقة نجران لتصبح ظاهرة يصعب حلها مستقبلاً، الأمر الذي يتطلب أن تتولى الشؤون الاجتماعية دراسة ذلك، ولاسيما أن جامعة نجران قد تكون عونًا للمشاركة في تلك الدراسة،والنظر في فتح إدارة للتسول لأنّ أهميتها أكثر في المناطق الحدودية.
كما تحدث لنا مدير فرع ديوان الخدمة المدنية علي القحطاني، قائلاً: إن ظاهرة التسول من الظواهر السلبية الوافدة والمسيئة للوجه الحضاري للدولة، والمنتشرة بكثرة على المستويين المحلي والإقليمي عمومًا، وهي ليست في المملكة فحسب، وهي آفة اجتماعية تشكل مشكلة كبيرة على أمن الوطن والمواطن والمقيم.
والدور المأمول من وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة، التعاون لتعزيز الجانب الوقائي بالتوعية بمخاطر التعامل مع المتسولين والتعاطف معهم، ولاسيما أن «التسول» يُعدُّ في كثير من الأحيان مقدمة لارتكاب جرائم أخرى كالسرقات والابتزاز، ناهيك عن الإصابة بالأمراض ونقل العدوى إلى الأصحاء، الذين يمثلون أقرب الناس إلينا، وهم أفراد الأسرة أو أفراد المجتمع عمومًا، وفي تصوري أن أسباب ظاهرة التسول، وتركزها في شهر رمضان، تعود إلى جملة من الأسباب من بينها الاعتقاد الخاطئ لدى معظم المتسولين بأن الرقابة الأمنية والحكومية تقل أو تنعدم خلال رمضان، نظرًا لمشاعر الرحمة والإيمان، فضلاً عن خصال السخاء والتعاطف التي يتركها الشهر الفضيل في نفوس الصائمين، مما يدفعهم إلى التعاطف مع المتسولين وتقديم المساعدة لهم، إلى جانب إحجام أفراد المجتمع عن الإبلاغ عنهم أو تعريضهم للأذى.
وأضاف القحطاني: إن التسول يُعدُّ بابًا مشرعًا للجريمة، وفي أقل الأحوال يشجع على وقوعها نظرًا لدخول المتسولين أحياء سكنية ومنازل، ويطلعون على أسرارها ويخالطون نساءها وأطفالها، كما أنهم يشكلون خطرًا من الناحية الصحية على المجتمع.
أما المواطن مانع بن هطيل آل منجم، فيقول: بدأت ظاهرة المتسللين الذين يدخلون الوطن عبر الحدود من الدول المجاورة، تزداد يومًا بعد يوم وبشكل لافت للنظر رغم ما تبذله الدولة من جهود في مكافحة هذه الظاهرة.
هؤلاء المتسللون قد تكون أجبرتهم ظروف المعيشة تارةً. وتارة أخرى قد يكون تسللهم لأسباب وأمور سياسية يجهلها الشخص العادي.
ونظرًا لما لذلك من مخاطر جمة، فقد نلاحظ بعض الدول ترصد لهذه الظاهرة مبالغ كبيرة وتتخذ إجراءات مشددة نظرًا لما تسببه من سلبيات على الوطن والمواطن ومخاطر لا تخفى على أحد، وقد ينظر العامة من الناس لهؤلاء المتسللين بأنهم أناس بسطاء أتوا للبحث عن لقمة العيش فقط، مما يجعلهم يتعاطفون معهم بشكل كبير ويقدمون لهم الشراب والطعام والملبس وأيضًا المال، رغم مخالفة ذلك للأنظمة والتعليمات الخاصة بمجهولي الهوية. لكن ما يخفى على الكثير هو أن البعض من هؤلاء المتسللين، لهم أهداف تضر بمصلحة الوطن سواء كانت أهدافًا سياسية أو نشر الفساد في البلاد، ممن يجلبون معهم المخدرات بشتّى أنواعها.
ولو افترضنا حسن النية بهؤلاء المتسللين واعتقدنا بأنهم لا يدخلون لأي أمور سياسية، فلن يخلو الدخول للتسول من نقل الأمراض المعدية والخطيرة، وإدخال بعض العادات والتقاليد المقيتة بسبب ما يعيشونه في بلدانهم من جهل وتخلف وقلة الوعي حتى تصبح هذه العادات الدخيلة عادات مسلم بها في مجتمعنا يصعب التخلص منها مستقبلاً، وبعض هؤلاء المتسللين إن لم يجدوا قوتهم من التسول فلن يتورعوا من السرقة والنهب ونشر الفوضى مجبرين لا مخيرين، كما يحدث ذلك في المدن والأحياء التي أصبحت لهم اليد الطولى فيها، إضافة إلى ما يحصل منهم من مشكلات بينهم ومع غيرهم تصل إلى القتل وترويج الرذيلة والمخدرات.
ظاهرة التسول هي أحد إفرازات ظاهرة المتسللين، التي تزداد وتكبر من يوم لآخر. فعند كل إشارة مرور ضوئية نشاهد المتسولين وبكثرة قد يكون القليل منهم والقليل جدًا محتاجًا، بينما الغالبية ينتمون إلى منظمات وجماعات تسول منظمة تجمع من وراء هؤلاء مبالغ طائلة لا تخطر على بال بشر.
ويضيف آل منجم: لسنا ضد الصدقة ولا ضد فعل الخير ومكارم الأخلاق، ولكن أليس أبناء الوطن المتعففين أولى بذلك من الدخلاء الذين لا يؤمن جانبهم، ومن هنا يجب علينا أن نقف صفًا واحدًا إلى جانب دولتنا الغالية، وولاة أمرنا في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة وألا نكون سذجًا تحت غطاء الكرم وحب فعل الخير، فمثل هذه الأمور لها جهات وجمعيات تعنى بها وتقوم بدورها كما يجب وتقبل الصدقات بجميع أنواعها لتنفقها في أوجهها الصحيحة وتقدمها للمحتاجين.
ومن جانبها قالت الكاتبة والإعلامية زينب المؤيد: أصبح من المعتاد رؤية أشخاص يرتدون ملابس لا توحي بأنهم من المتسولين أو من خارج البلاد يحملون أوراقًا وصكوك إعسار أو شهادات طبية بأمراض لا علاج لها إلا بمبالغ مهولة، ومصدقة من جهات رسمية خارج المملكة، والعجيب أنك عندما تعطي السائل منهم طعامًا أو ملابس يرفض أخذهما، وبكل جرأة، يعلل أنه يريد مبلغًا من المال..
إنه لا حل لهذه المشكلة إلا بالتكاتف بين الجميع مع الجهات المختصة، فالمواطن هو من يحمل على عاتقه الدور الأكبر في حماية المجتمع من المتسولين والمجهولين بعدم التعاطف معهم، والإبلاغ في حال وجودهم وعدم التعامل معهم وإننا مسئولون أمام الله عن محاربه الفساد، ويجب أن نعرف أن من يحتاج للمساعدة ويستحقها هو من يعف عن طلبها، وأن الدولة لم تأل جهدًا في إعطاء المساعدات المادية من خلال الضمان الاجتماعي والمساعدات الخيرية والإنسانية بفروع الجمعيات الخيرية وهيئات الإغاثة وبشكل يكفل للشخص كرامته.