** من اليسير إلقاءُ مسؤولية الإخفاق على الغائب؛ فالكرةُ تهز الشباك الخالية، ومن يهرب من المواجهة يعلق المشكلة بتجاهلها أو نسبتها لناءٍ مكانُه أو هلاميٌ وصفُه؛ فحين نقول عن جمهرة المثقفين إنهم مَنْ أفشل ملتقاهم ؛ فإن من حضر لن يدافع لأنه موجود أو غير معنيٍّ بالسمة مثلما هو - في الضفة المقابلة - شبيهُ الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وكذا الغائبون والمغيبون ؛ فهم غيرعابئين بما يقوله «الرسمي» لأنهم يسعون بابتعادهم ويستثمرون استبعادهم لتأكيد رؤيتهم حول عدم قابلية الثقافة للتبعية الوظيفية؛ فلا المثقفُ موظف ولا الثقافة وظيفة ولا عناوينُ المرحلة تأذن بنقاشٍ انتهت صلاحيته، ووسائطَ تجاوزتها أذهانُ أجيال الإعلام الرقميّ الموازي التي تنتدي كل يوم بحرية مطلقة دون أن يُفرض عليها جدولُ أعمال وقائمة أسماءٍ، ودون أن تكلف الخزينةَ العامة دعواتٍ وانتدابات واستشارات وضيافات.
** هنا مثل واحد، وفي الواقع المعاشِ أمثلة كثيرة؛ فمن اليسيرِ التخلي عن المواجهة احتماءً بالمتوارين، لكننا ننسى أن من يصنع ذلك يستتر بغطاء وهمي مستندًا على سماع صوته وحده وإقناع نفسه لا أكثر، ووعينا قراراتٍ تتوقفُ لأن المجتمع لم يتهيّأْ لها، مع أن المجتمع لا يختزله صوت مرتفع أو منبرٌ ذو موقع، مثلما هو جسمٌ شبحيٌّ يستخدمه الجميع فزّاعةً ضدّ الجميع، ولو كان هذا منهجًا في كل القرارات لربما التُمس له مبررٌ عرفي لا علميّ، لكنه منهج انتقائيٌّ يمارسُ نفي التهمةِ عن نفسه بعزوها لسواه.
** مواجهة المسؤولية الذاتية والمجتمعية لا تحتمل من يتهرب منها اتقاءً للمحاسبة أو درءًا لردود الفعل أو عجزًا عن الفعل نفسه، وفي حين كان ذلك ممكنًا في زمن عابر أو غابرٍ فإن وسائط التواصل « غير الرسمية « لم تُبقِ مدًى يداري سوءةَ التسويف أو الالتفافَ على الحقيقة أو حتى تبرير القصور ؛ مثلما تجيءُ ممارستنا حين نخفق في تكريم الرموز والمميزين في حياتهم لعوامل «بيروقراطية» - في أغلبها الأعم - فيهبط الموت منقذًا لتبييض صفحتنا المعتمة تجاه من لهم الحق دون منٍّ أو ادعاء.
** مضى ملتقى المثقفين بما فيه، وقاطعته نخَبةٌ صامتةٌ وصاخبة، وقيل ما قيل، وبقي الرسميُّ غير معنيٍّ بما حقق أو أخفق؛ فالتنظيمُ يعطيه الحق لاختراع عمل جديد له يواصل عبره إضافة مكاسب آنيةٍ وأنوية.
** واقعٌ يثبتَ - لمن يود إصلاحًا - أن الثقافةَ لن تستجيبَ لاشتراطات الهيكلة الإدارية، وأن وجودها سابق للوزارة ولاحق لها، وأن من الأجدى مَأْسستها خارج نطاق الرسمي والربحي والتحكمي، وحينها يكفيها مجلس أعلى ينظم المرحلة الانتقالية المؤقتة بين أبويةِ الاعتياد وانفتاح الاستعداد، وليعود المثقفُ الحرُّ سيدَ نفسه لا تأسره أجنحة الفنادق ودعوات العشاء.
** الإشارةُ عبارة.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon