يوم عادي في حياة كل منا: نموذج:
مررت على مبنى وضع لافتة له مكتوب عليها مركز.... الطبي (مستوصف). قابلني في الاستقبال شاب سعودي يجيد قليلاً من الإنجليزية لكنه كان جيداً في عمله وإدارته للمجموعات وتعامله مع استعجال السعوديين الذين دائماً يريدون الأشياء بسرعة لأن ما عندهم وقت، أطرف
كلمة على لسانهم: عجل عجل وبسرعة بسرعة! ما الذي سيصلون له؟؟؟
.. مررت على المشغل لأقلم أظافري فقابلتني المزينة الفلبينية وبجانبها كانت المغربية والهندية كل تمسك بشعر أو حاجب أو عين لتعديلها وتمرير أصابع التزين عليها، ثم على الصيدلية لالتقاط بعض أدوية البرد حيث الصيدلاني المصري الطيب يحاول التوفيق بين مهنته كصيدلي ومهنته كمحاسب، ثم على البقالة لأخذ الصامولي واللبن والحليب حيث يوجد الشقيق اليميني أو ربما كان من حضرموت، وبجانبه كانت بقالة الميكانيكا حيث يتمايل هذا الباكستاني الضخم الجثة، ثم على محطة البنزين حيث قفز في وجه السيارة بسرعة مريبة ذلك البنغالي ينظف في زجاج السيارة أملاً في بضع ريالات فيما يتراكض رفيقه الآخر لإجابة بواري السيارات الأخرى التي لا تهدأ، ثم مررت بمكتب ارامكس لإرسال بريد مستعجل فقابلني الهندي ذو اللكنة الإنجليزية الخاصة، فإلي المدرسة الخاصة لالتقاط ابني حيث السلسلة تبدأ من الوكيل إلى حارس المدرسة الواقف أمام الباب الخارجي، الجميع من جنسيات عربية مختلفة ما بين السوداني والسوري والمصري (فقط المدير سعودي).
وفي الطريق إلى المنزل صادفتنا أعمال بناء وفتح طريق أبو بكر الصديق والعروبة عبر مطار القاعدة حيث تناثر عشرات من العمال الكوريين والفلبينيين يعمرون ويبنون ويمهدون الطريق ويضعون اللوحات ويحملون الحجارة والمخلفات، كما كان أمامي لوحة لمركز نسائي تديره وتشرف عليه مغربية والمدربات فلبينيات والطاقم المساعد سيرالانكيات وإلى جوار المركز كان هناك مطعم شواء سعودي مشهور والناس تتدافع بصحون ومن غير صحون لنقل أكوام الرز والدجاج ويتراكض أمامنا عشرات من العمال الآسيويين ولم يكن هناك غير محاسب سعودي واحد وإلى جوار ذلك محل الإلكترونيات يجلس في صدره العامل الهندي ثم خدمات الطالب للتصوير الذي يزدحم بالسودانيين ثم سلة البساتين لشراء بعض خضار القصيم وكله دون استثناء من أشقائنا اليمنيين ثم المخبز حيث العامل الأفغاني في مواجهة الموقد. وحتى هذه اللحظة رحلة دهشتي لم تنته، فبعد صلاة المغرب كان لابد من زيارة قريبة مريضة في أحد مستشفيات المدينة الحكومية فقابلتني الممرضة الفلبينية ثم الهندية وفي طريقي شاهدت المشاتل لبعض الشتلات وفيها الأخ المصري الصعيدي يقنع زبونة بأن تشتري بعض الشجيرات التي يمكن أن تتحمل قسوة الصحراء. في النهاية وجدت أنني تعاملت مع أكثر من مائة وثمانين عاملا أجنبياً من مختلف الجنسيات خلال يوم واحد.
كيف لهذه المجموعات أن تكون بهذه الفعالية في حياتنا ولا زالت لا تملك حقوقاً واضحة ولا زلنا نتكلم عن تحويلاتها المالية (المهولة) دون أن نفكر كم من أعمارهم يتم هدرها كل يوم في مقابل دريهمات قليلة يرسلونها لأطفالهم الجياع! تذكرت العامل النحيل من شرق آسيا وسمعت صوت سيارة البلدية تأتي في آخر الليل لالتقاط قاذوراتنا وبقاينا ونحن نهنأ نوماً لذيذاً في أسرتنا؟ كيف لهذه الفوارق الطبقية أن تبقى بهذه الحدة؟ ما الذي سيتعلمه أطفالنا حول القيمة الإنسانية لباقي الشعوب التي لا يرونها إلا في قوالب الفقر والأعمال غير الماهرة مع الأجر القليل. في المدرسة لالتقاط ابني كانت العاملات المنزليات يملأن الفراغ الأمومي (النائم) ربما أو من هن في العمل ولا ضير في ذلك.. المشكلة أتت في الطريقة التي كان الأطفال يتعاملون بها مع المربيات والسائقين.. النظرة الدونية والتعامل الفوقي من قبل الأطفال لرجال ونساء ممن يرعونهم وتخطى معظمهم الأربعين.
كيف لنا أن نتكلم على رؤوس الأشهاد ونحضر الاجتماعات العالمية وننافح بجراءة عن مفهوم الحق والعدل والتآخي والمساواة ونحن نعجز أن نطل داخل ذواتنا ونري سوءاتنا ممارسة كل يوم أمام العيان ولا يضيرنا ذلك.. أخرج من عملي فيصرخ الحارس السعودي الغلبان في سائق أجنبي لبتعد بسيارته لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع السعودي رغم ارتكابهما المخالفة نفسها بالانتظار في مكان مخالف (لعوامل ثقافية) عما يمكن أن يفعله السعودي.
الشعور بالفوقية الثقافية تجاه هذه الأقليات يطغى على كافة الممارسات اليومية لمواطنين يعانون في حياتهم من التهميش وعدم القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية التي تحق لهم كمواطنين مثل الخدمات الصحية اللائقة أو خدمات الصرف الصحي أو الرعاية الاجتماعية فلا يملكون إلا أن يوقعوا إحباطهم انتقاماً ممن هو أضعف منهم؟ على من؟؟ هؤلاء الغرباء الذين تمتلئ بهم حياتنا ولا يمكن لنا أن نسير دفة هذا المجتمع (الديكوري) في ممارساته اليومية إلا من خلالهم فلا شارع ولا بقالة ولا مدرسة ولا مؤسسة ولا منزل ولا زواج ولا عزيمة ولا ولادة ولا موت إلا بحضورهم!
الشعور بدونية الآخر وعدم تمتعه بخصائص الثقافة المحلية أو النسب أو اللغة أو الدين يبرر لكل فرد منا وبطريقته الخاصة أن يضطهد ولو تعاملاً أو قولاً أو فعلاً من حوله ممن هم أقل منه وتقدم له الثقافة السائدة كل المبررات ليفعل ذلك فهو صاحب النعمة في توفير العمل أو المدير أو ربة الأسرة أو طفل العائلة الغنية أو رجل الشرطة الذي يتحكم في الشارع أو في مركز البوليس أو الخ مما نحتفي به ونتباهي دون حتى أن نفكر في ما نفعل؟
أسأل؟ أين نحن من العالم؟ أين نسير في مواجهة حضارة المساواة وحقوق الإنسان والأقليات التي يحتفي بها العالم اليوم؟