أرى أنّ أفضل مسمّى يمكن إطلاقه على «هيئة مكافحة الفساد» والمدشنة بأمر ملكي كريم قبل عدة أشهر هو «هيئة الوقاية من الفساد», ومع أن البعض قد يرون أن لا مشاحة في الاصطلاح إلاّ أنني أخالفهم في هذه النقطة بالتحديد والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية فالدولة حالياً تؤسس لنظام مستقبلي يرمي لتجفيف منابع الفساد الإداري والمالي الذي انتشر في وزارات ودوائر وإدارات حكومية بسبب ضعف الوازع الديني, أو قلة المتابعة أو الجهل باللوائح والأنظمة أو دخول الضمائر في غرف متجمدة «فريز», كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى تجاوزات أضرت بالوطن والمواطنين والشواهد والأدلة كثيرة لا يمكن حصرها، لكن الأضرار التي امتدت إلى كل شبر في كل بقعة قلبت موازين كثيرة في أسواق المال والعقار, وأسقطت المؤشرات من المناطق الخضراء إلى الحمراء، وأدت إلى ارتفاع الأسعار إلى أرقام قياسية. المرحلة القادمة ليست مرحلة مكافحة فقط تقتصر على استئصال الفساد من الجذور وإنما هي مرحلة يجب التركيز فيها على تهيئة بيئات إدارية نقية صافية تساعد على أداء الأعمال بذمم وضمائر حية، وثقافة إدارية ومالية ثرية, وتحويل قدرات المسئولين إلى مسارات تخدم المواطن وتحافظ على الأموال العامة للاستفادة منها في إحداث وظائف وتقديم خدمات أكثر جودة وحل مشكلات قائمة من سنوات, ولعل البداية التي أعلن عنها رئيس هيئة الفساد الأستاذ محمد الشريف بإلزام الوزراء والموظفين بالإقرار بذممهم المالية الخطوة الأولى في طريق طويل وشائك ووعر للوصول لهدف سامٍ بتنقية بيئات العمل من الشوائب، وهذا الطريق لن نصل لنهايته السعيدة بطرق المكافحة التقليدية وإنما بتصميم نظام وقائي طويل المدى، فالأسلوب الذي كشف عنه ممثل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ناصر أبا الخيل، لن يكون الأمثل والأفضل حيث أفصح عن تقديم الهيئة مكافآت لكل من يساهم في ضبط حالة فساد من قِبل المواطنين أو المقيمين، وألمح إلى اللائحة التي تحدد قواعد وضوابط منح المكافآت التشجيعية للمبلغين، لكنه لم يذكر العقوبات التي ستتخذ مما يضع هذه الخطوة في خانة الخطوات غير مأمونة النتائج, ثم كيف يقوم المواطن بالتبليغ عن حالات فساد قد لا يستطيع الوصول إليها وإثباتها. أعتقد أنّ أكبر دور للهيئة هو الوقاية من الفساد وحماية المسئولين من أنفسهم، بوضع آليات وطرق عملية للعمل بها تضمن سلامة الإجراءات لتحمي المسئول من أن تسول له نفسه بالاختلاس أأخذ الرشوة أو الوقوع في أخطاء قانونية عند إبرام العقود، وخاصة عقود المشروعات مع الشركات، والتغاضي عن إتمامها في مواعيدها المحددة، والقبول بإرساء المناقصات من الباطن, والفساد الظاهر في إشغال الوظائف وتأخير تنفيذ الأوامر, هذا يعنى أنّ عمل الهيئة أقرب للوقاية منها للمكافحة، فالمكافحة قد تكون في البداية أو مرافقة لإجراءات الوقاية, أما الوقاية فنظام مستمر مدى الحياة متى ما أسس بطريقة عملية يقوم على الثقافة الإدارية التي تنقص أغلب من يعملون في دوائر الدولة، فكثيرون يجهلون معظم الإجراءات التي ينبغي أن تتم, وثقافتهم المالية ضعيفة جداً، وإلمامهم بالنظم واللوائح متدنٍ. نشر الثقافة لرفع مستوى الوعي يحتاج للعمل المتواصل بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، وفق برنامج عملي لاكتساب الخبرة الإدارية.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15