ظاهرة البيانات ظاهرة أخذت لها زخماً على الساحة الحوارية السعودية بشكل «ملفت» للنظر، وعندما يتفق عدد من الأشخاص على «مطلب» معين يقومون بكتابة بيان وطرحه في مواقع التواصل المختلفة.
لا شك أن الحرية الفكرية وحرية طرح الآراء مكفولة للجميع ومن حق الجميع التمتع بهذا الحق الذي كفلته الدولة بل إنها أسست لذلك ودعت له، ولكن للأسف تم استغلال ذلك السماح والدعوة إلى تحويلها إلى «مقاصد» ليس من ضمنها أي مقصد من تلك المقاصد التي على أساسها تم التأسيس والدعوة. فليس من المنطق الإنساني أن تخلط الأمور على المتلقى بحيث يصبح غير «مميز» بين المقاصد التي تصب في مصلحته وبين «المقاصد التي تدعو لها تلك» البيانات.
ليس من تلك المقاصد الدعوة إلى عدم التعرض ومواجهة من يستهدف أمن المجتمع من خلال استخدام «القوة» ضد مكتسبات المجتمع وضد أمن المواطن وضد رجال الأمن، وليس من العدل الاجتماعي أن يتم تضمين من ارتكب هذا «الجرم» ضمن البيانات وكأنه «فعل» أو عمل ليس بمسؤول أو أنه «فعل» لا يستحق التجريم، ويتم توصيفه بسطحية ممجوجة بشكل يظهر أن «مقاومته» والتعامل معه نوع من أنواع «مصادرة الحرية الفكرية» وبالتالي إظهار الدولة بمظهر المعتدي على الحريات.
وليس من المقاصد أيضا أن تخلط الأمور في ذلك البيان حتى يصبح من «يحيك» المؤامرات في الخفاء «الاستراحات» وتغيير الحكم بقوة السلاح من خلال الإرهاب ويخطط لذلك، فهل من يقوم بذلك يطلق عليه «سجين» رأي؟ أم أنها خلط وتوصيف للأمور بغير صفتها الحقيقية التي توجب على المجتمع قبل الدولة أن يتصدى لها ويقف في وجهها موقف حازم وقوي، انطلاقا من أن من قام بذلك يستهدف المجتمع ومكتسباته ومن أهمها استقراره وأمنه.
قنوات الحوار مفتوحة على مختلف مستوياتها بل إنها تدعو إلى ذلك من خلال منابر التواصل الإعلامي المرئي والمقروء وأبواب ولاة الأمر مشرعة بل إنهم يدعون إلى ذلك وآخرهم سمو وزير الدفاع عندما قال: «أبوابنا مفتوحة من خادم الحرمين إلى أصغر مسؤول»، لماذا لم يتم عرض هذه « البيانات» على صاحب الأمر طالما أنها عادلة كما يراها من اشترك وكتبها.
كتابة الوثائق والبيانات وعرضها على العامة من خلال «قنوات» التواصل ليس عملاً مسؤولاً بل إنه عمل «مشبوه» خصوصا عندما ينادى بترك التعامل مع من عاثوا فسادا في أمن الوطن ونتج عنه سفك دماء طاهرة من دماء ابناء الوطن، ومن هنا تحول إلى عمل إجرامي لا بد من مواجهته في كلتا الحالتين.
الأمن والصحة نعمتان عظيمتان لا بد من المحافظ عليهما فالأمن يؤثر في حياة المجتمع ويجعله مجتمعاً سعيداً متناغماً ومتجهاً إلى التطور والتنمية، والصحة نعمة تتجلى في الإنتاجية والتطور والتقدم، وعندما يفقد المجتمع ذلك فإننا سنكون أمام مجتمع هزيل خائف متقوقع على نفسه مشغولاً بأمنه وصحته مما يؤدى إلى انصرافه عن الإنتاج والتنمية والتعليم والتطور وهذه النتيجة هي التي يسعى إليها أعداء الوطن.
وأخيراً تعالوا خلونا نكتب بياناً نستنكر فيه تلك البيانات التي تسعى إلى خلط الأمور حتى تتمازج فيما بينها وحتى لا نفرق بين من يهدد أمننا وصحتنا واستقرارنا وبين من يستخدم المساحة الواسعة من الحرية الفكرية والحوارية في مصلحة الوطن.
والله من وراء القصد.