يخطئ كثير ممَّن يدَّعون الثقافة في تعريفها، فيظنون أنَّها تعني غزارة المعلومات وتنوُّع المعارف، ومصادمة السائد، والتحوُّل عن الثابت، والانحراف عن القيم الراسخة، وهو خطأ فادح.
حاورت كثيراً من الذين فهموا «الثقافة فهماً مقلوباً» فوجدتهم غير مؤهَّلين لحمل لواء أيَّةِ واجهة ثقافية، لأنهم لا يدركون المعنى الحقيقي للثقافة من جانب، ولأنهم يفهمون الثقافة فهماً خطيراً على أنفسهم وعلى من يتخاطبون معه من الشباب الذين لم ينضج تفكيرهم بعد.
إحداهنَّ، كانت سألتني عن مفهوم «ثقافة المرأة المسلمة» فذكرت لها - آنذاك - ما تبرأ به الذِّمَّة، مشيراً إلى أنَّ الثقافة مجموعة من القيم والمهارات والمعارف تكوِّن عقلاً واعياً راشداً وقلباً مؤمناً مطمئناً، وروحاً متألِّقة بقيمها وثوابتها، وأثراً إيجابياً في المجتمع ينسجم مع دينه وقيمه ومبادئه، أما المرأة فإنَّ ثقافتها تضيف إلى ذلك ترسيخ دورها الحقيقي في الحياة أمَّاً وزوجةً ومربِّية للأجيال، وتعميق أسس حيائها ووعيها وشموخ نفسها فكراً وخلقاً وعاطفة متألقة.
وفي لقاء فضائي ذات يوم قلت: إنَّ جدِّي - رحمه الله - أعمق ثقافة وفهماً لدوره الإيجابي في الحياة من آلاف المثقفين الذين يرتدون معاطف منسوجةً بخيوط وهم التقدُّم والحضارة، سرعان ما تمزِّقها رياح الصدق والأصالة الثقافية حينما يأذن الله بهبوبها. الثقافة مسؤولية عظيمة، إذا فرَّط فيها المجتمع وأهملتها الأمَّة، وتجافى عنها العلماء المفكرون العقلاء، ضاعت معالمها، وضاع معها خلق كثير.
الثقافة روح عظيمة لا يمكن أن تقوم على المصادمات والأباطيل والمخالفات الصارخات لعقيدة الأمة وثقافتها، وقيم المجتمع ومبادئه وإنما تقوم على رؤية صائبة، وانسجام حقيقي بين المثقَّف ومحيطه الاجتماعي، وكيان وطنه الكبير، وأمته العظيمة.