* لكل زمن ظروفه، ولكل موقف رجاله، ومن سنن الله في الكون التغيير ومداولة الأيام بين البشر، والتاريخ بلا شك له دورته الحتمية، العنيفة أحيانا، علم بذلك من علم، وجهل من جهل بمقتضاها، والإرهاصات لذلك ثابتة، والاختلاف بين البشر في استيعابها، وتحليلها وتفسيرها، والقدرة على التنبؤ بنتائجها. ومن الطبيعي أن أكثر من يتنبأ لها، ويخشى عواقبها ويحذر منها هم العلماء والمفكرون، فهذه الفئة لها قدم راسخة، وإدراك عميق، ورأي ناضج بطبيعة الحياة والتاريخ، المسلّم منها وغير المسلم.
* بعض من البشر يقع تحت صدمة التغيّر فلا يستطيع أن يستوعب حجم التغيير السريع في الحياة الاجتماعية ومفاهيمها حتى في محيط أسرته الصغير، وفي تدبير شؤون منزله، وبالتالي ربما يلحظ المتابعون له أنه يقع تحت وطأة أزمة نفسية، ومعاناة اجتماعية، وحياة قلقة يحفها الضنك، لذا تجده يستبد برأيه، ويعيش خارج تفكير أسرته، ومن ثم تبدأ أمامه عوامل التمرد والانفلات عليه، وعلى قيمه وثوابته من حيث لا يدرك، أو لا يستطيع الموازنة، وأعتقد أن تفاوت الثقافة والوعي ومستوى التنوير هو الذي يحدد حجم الهوة، أو الفجوة بين هذه العلائق جميعها.
* إذا كانت هذه الصورة قد تكون واقعة، وفي يدك طرف من زمام الأمور، إن عرفا، أو شرعا، فما ظنك بالمسؤول الذي تربطه بالجمهور علائق أخرى، ومن نوع آخر، ويتعامل في دوائر متسعة، وأمشاج من الناس مختلفي التفكير والتوجهات، وتمتلئ نفوسهم بألوان العواطف. هنا تبدو الخطورة، وتكمن المشكلة الحقيقية.
* أعلم علم اليقين أن هناك مؤسسات تدريبية تعنى بتأهيل الأفراد أيّاً كان مستواهم، وتلاحق في برامجها ما يستجد على شؤون حياة الإنسان، سواء كان المتغير ثقافياً، أو اجتماعياً، أو اقتصادياً، أو سياسيا، وربما أنها استشعرت الحاجة، وبدأت في رسم الدورات والبرامج لمثل هذه الأحوال وتلك الفئات, ويبقى مقدار التجاوب من عدمه.
* نحن في العالم العربي بالذات نعيش مرحلة اصطلح على تسميتها مرحلة ( الربيع العربي)، هذه المرحلة صاحبها تحولات كبيرة في الفكر، وفي المفاهيم، وفي الثقافة، بل وتخلخلت بعض القيم والمعتقدات المتوارثة، وهنا السؤال، هل كل مسؤول يعي الواقع المحيط، والمستقبل بكل ما يحمل ويضمر، أو أنه يعيش في إدارته، والفريق الذي يعمل معه بتفكير ماض عتيق، هذا التغير ربما يؤدي بمؤسسات إلى الانهيار، أو الفوضى، أو التصادم، وربما فتح جبهات أخرى للمجتمع هو في غنى عنها، أو يمكن تلافيها وامتصاص فورتها.
* موقف صعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فوقائع التغيير سريعة، واستعجال النتائج من الناس ربما لا تعطي للمسؤول ولو مجرد فرصة التأمل والتفكير والتخطيط، أو حتى يتأهل لها نفسياً واجتماعيا، إذن المسؤول أيّا كان موقعه أمام تحدٍ كبير، ومؤسسات الدولة أمام اختبار حقيقي في اجتياز تلك المرحلة مع الجمهور وطالبي الخدمة.
dr_alawees@hotmail.com