البدانة مرض العصر، وطبقاً للإحصائيات فإنَّ نحو ربع سكان العالم يعانون منها، ومجتمعنا ليس استثناءً، وإنما هو جزء من خارطة السمنة في العالم ومشكلاتها الصحية، والتي تصيب الرجال والنساء والكبار والصغار على السواء. ولعل أبرز ما يفيدنا به الطب عن مشكلات السمنة وتأثيراتها السلبية على الصحة هي أمراض القلب والأوعية الدموية والمفاصل وظهور السكري وضغط الدم وغير ذلك.
أسباب البحث عن علاج السمنة قد يكون بدوافع المحافظة على الصحة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الرشاقة. ولكن هذا الهدف أو ذاك قد يدفع البعض خصوصاً النساء والفتيات المصابات بالبدانة إلى اللجوء لعمليات تخسيس تعتمد على الجراحة، وهي عديدة خصوصاً عندما لا تستجيب الحالة لوسائل العلاج التقليدية للبدانة المفرطة أو لطرق التخسيس بواسطة الحمية. ولا شك أن علاج وجراحات السمنة تعددت وتنوعت وتشهد وسائل كثيرة، منها ما يسمى تحزيم المعدة أو شفط النسيج الدهني الموجود تحت الجلد.
وفي كل الأحوال لا يوجد علاج دوائي مستقل يؤثر في علاج السمنة إلا إذا كان مصاحباً لتغييرات في نمط الحياة الروتينية، فلا دواء ناجح ومؤثر دون إرادة قوية على ممارسة الحمية الغذائية المناسبة وممارسة الرياضة. ولكن -للأسف- يبحث البعض عن علاج لكنه لا يتبع الغذاء السليم ولا الرياضة المناسبة، ومن ثم يختصر البعض الطريق إلى الجراحات رغم أعراضها ونتائجها السلبية، من مشكلات صحية ومخاطر تختلف من عملية إلى أخرى ومعروفة لدى الأطباء، وهو ما يجب أن ينبهوا إليها ويشرحوا لمصابي السمنة تفاصيل ذلك حتى لا ينخدع البعض وراء سراب بأن أي عملية جراحية قد يقترحها الطبيب بناء على التشخيص هي العلاج السحري.
ما دعاني إلى تناول هذا الموضوع هو ظاهرة انتشار السمنة في المجتمع كما قلت، وقد اطلعت على موضوع طبي في مجلة أهلاً وسهلاً، وهي كما نعرف مجلة ثرية متنوعة في معلوماتها وموضوعاتها المفيدة، وقد جاء الموضوع تحت عنوان (إذابة الدهون دون عمليات أو تخدير)، ويشير إلى طريقة اجتهد يفها عدد من العلماء لإيجاد وسيلة لشفط الدهون دون عمليات تخدير، وتتم عن طريق الحقن بإبرة صغيرة جداً وتكرار الحقن كل سنتيمتر مربع بواسطة الطبيب في عيادته، ويمكن ممارسة الحياة بشكل طبيعي بعد الحقن دون الحاجة إلى غرف عمليات، وتقوم المواد المحقونة بتكسير جدار الخلايا الدهنية وتنقل الدهون عن طريق الدم للتخلص منها ومعالجتها عن طريق الكبد.
لكن مثل هذه الوسائل الطبية لابد وأن يقول أهل الاختصاص الطبي كلمتهم ليفيدوا المجتمع في ذلك. وما نتمناه أن يتم نشر التوعية أساساً بالثقافة الصحية والغذائية السليمة، وبالتالي الحرص على نظام غذائي يمنع أو يحد على الأقل من السمنة، مع العلم أن بعض الأشخاص لديهم قابلية للسمنة الزائدة حتى مع حرصهم على الأغذية المناسبة، وهذا يعود إلى أسباب تتعلق بالغدد.
لا شك أن حياة العصر سادت فيها الأغذية الجاهزة والوجبات السريعة والأغذية المساعدة على السمنة والمسببة لها من الحلوى والسكريات والنشويات، مع الركون إلى الراحة في معظم أوقات الحياة، وفي الماضي ولأجيال كثيرة لم يكن المجتمع يعاني من هذه الظاهرة لأن الأشغال اليدوية والحركة كانت تساعد على حرق الدهون، بعكس اليوم الذي تتوفر فيه كل أسباب الراحة والجلوس وعدم الحركة وعدم المشي، وأصبحنا نعتمد على الخادمات في بيوتنا والسيارة في تنقلاتنا حتى لأقرب مشوار، وحتى المزارع أصبحنا نعتمد على العمالة الوافدة وبالتالي انعدمت فرص الحركة، والحكمة تقول: (في الحركة بركة) إن كان في الرزق أو في الصحة البدنية والنفسية. ولو أن كل إنسان ساعد نفسه بالغذاء السليم والرياضة المناسبة ولو المشي لساعد نفسه. ولو حرصنا على الخضروات والفاكهة والتقليل من مئات الأطنان من الزيوت ومثلها من الحلوى بأنواعها والدهون المشبعة في وجباتنا المؤذية للصحة، لأعدنا للمجتمع صحته ورشاقته وصحة الحوامل والمواليد وكل الأجيال التي تعاني منها نسبة كبيرة من البدانة ومشكلاتها الصحية.
أخيراً أتمنى أن نعالج الأسباب وليس النتائج، أما وأن مجتمعنا يعاني من نسبة كبيرة للسمنة خصوصاً النساء والفتيات وحتى الأطفال، فإنه لابد من إيجاد ثقافة سليمة للحياة، ونتمنى أن لا يختصر الأطباء الطريق في جراحات علاج السمنة وما قد ينتج عنها مما يتطلب أمانة طبية عالية، وفي الوقت نفسه نتمنى أن تقول وزارة الصحة كلمتها في كل ما يعرض من منتجات شعبية وتركيبات مستوردة للتخسيس ولا ندري مدى سلامتها وتأثيرها على الصحة. نتمنى السلامة للجميع والعافية وكثير من الوعي في غذائنا وفي علاج السمنة والبدانة حفاظاً على الصحة العامة للمجتمع.