مضحك ادعاء النظام السوري أنّ القاعدة هي المسؤولة عن التفجير الأخير في دمشق قُبيل وصول المراقبين؛ فقد عوّدنا السوريون، ومعهم حلفاؤهم من حزب الله، أنّ أصابع الاتهام السورية تتجه رأساً إلى أمريكا وإسرائيل؛ الآن انضمت (القاعدة) إلى قائمة المتهمين الجاهزين؛ ولن أستغرب إذا خرج علينا عباقرة الإعلام السوري ليقولوا إنهم اكتشفوا مؤخراً أنّ (إبليس) اللعين انضم هو الآخر إلى حلف (أمريكا، إسرائيل، القاعدة)؛ لزعزعة دولة بني أسد في سوريا وحليفتهم إيران، ومفتيهم أحمد حسون، وفقيههم البوطي؛ فمنطق الإعلام السوري وجلاوزة دولته القمعية هو (اللا منطق)؛ فعندما تحاصرهم بالأسئلة، وتواجههم بتخبُّطاتهم، فإنّ لسان حالهم كلسان حال الأحمق عندما يتورّط، فيوجِّه اتهاماته خبط عشواء؛ المهم أن يختلق أية قصة ليُبرئ نفسه من المسؤولية، ويلقيها على الآخرين؛ والأحمق لا يهمه أن يكون مقنعاً أو غير مقنع، المهم أن يقول شيئاً أي شيء بغضّ النظر عن منطقيته. وأنصح - بالمناسبة - جميع دارسي الإعلام العرب بمتابعة الإعلام السوري، وبالذات المرئي، فهو حالة نموذجية ونادرة للا مهنية والتخبُّط والغوغائية والكذب والرداءة وفقدان المصداقية وانحدار التأثير؛ كنا نظن أنّ الإعلام الليبي وخزعبلات (هالة المصراتي) إبان حكم القذافي هو القاع الذي لن يصل إليه أحد في تاريخ الإعلام المعاصر، فإذا بإعلام بشار الأسد يتجاوزهم بمراحل، ويكتشف قاعاً لم يكتشفه إلاّ أساطينه؛ حتى أصبحت قناة (دنيا) الفضائية السورية يتندّر عليها حتى الأطفال، ويضربون بما تتضمّنه الأمثال على التخبُّط الإعلامي والكذب واختلاق القصص بسيناريوهات رديئة.
تاريخياً البعثيون يعتبرون أنّ الإعلام هو فقط للدعاية للحزب، والتطبيل للرئيس الفذ القائد، واستعراض إنجازاته التي لم تعرفها البشرية قط؛ فالإعلامي يجب أن يلتزم بهذه السكة لا يحيد عنها ولو سنتيمتراً واحداً وإلاّ فأجهزة المخابرات له بالمرصاد؛ وعندما حاصرتهم الثورة، وتكالبت عليهم القنوات الفضائية، وانكشف الرئيس الفذ القائد، التفتوا إلى إعلامييهم السوريين، فلم يجدوا إلاّ المتردية والنطيحة وما ترك السبع، فلجؤوا إلى لبنان، يبحثون عند كبار إعلامييه المدد؛ غير أنّ الشقَّ كان قد اتسع على الراقع اللبناني، فلم يجد ما يُسعفه غير التغني بالمقاومة والممانعة؛ تلك الأسطوانة المشروخة التي شرخها رامي مخلوف ابن خال بشار، عندما ربط علناً بقاء نظام الأسد ببقاء احتلال إسرائيل للجولان، فلم يَعُد لتلك الأسطوانة أية قيمة.
ولا يمكن لأحد أن ينفي الدور (المحوري) للإعلام الفضائي والإنترنت في صناعة الربيع العربي؛ فلم تَعُد تلك الأنظمة القمعية التي تعيش على التكميم، وإخفاء المعلومات، والتحكُّم في مفاصل الإعلام الحكومي لتوجّهه كيف شاءت، قادرة على الاستمرار في سياساتها التقليدية؛ فالإفصاح عن المعلومة لم تَعُد تحتاج لقرار من السلطة الإعلامية الرسمية، والأسوار الطويلة المصمتة لم يَعُد باستطاعتها أن تتصدّى للغزو الفضائي الذي ينبِّش في كل صغيرة وكبيرة في داخل الدول؛ فأصبحت تلك الأنظمة مكشوفة، والمعلومة التي كانت حمايتها جزءاً من حماية الأمن الوطني صارت في متناول الجميع؛ فمن يملك الإعلام يملك القوة دفاعاً وهجوماً، ومن لا يملك إلاّ إعلاماً دعائياً فظاً وتقليدياً؛ يُردِّد معلبات قولية فارغة، فلن يستطيع إطلاقاً أن يدافع عن نفسه؛ إنه أشبه من يواجه الدبابة بسيف عتيق أكل عليه الدهر وشرب؛ هذه حقيقة لا أعتقد اليوم أنّ هناك أحداً يستطيع أن ينفيها؛ وإعلام القذافي وإعلام الأسد يثبتان ما أقول.
إلى اللقاء.