من الناس من يشبه بتميزه في أسرته عمود الخيمة التي لا تنصب ولا يكون لها فائدة إلا بها، فهو الذي يشكر عندما تذكر أسرته، بل تنال بسببه سمعة طيبة، لأنه بطبعه وخُلقه تقاس أخلاق وطباع جميع أفراد أسرته، فيعمها ثناء الناس ومديحهم له، ومن هذه الزاوية التي يتمركز فيها ذلك المتميز، نلاحظ أنه لا يخلو ممن يغيظهم كمال خُلقه وعلو همته وحُسن أدبه الذي صنع له مقاماً مرموقاً في أعين الناس، فتراهم يتمنون زواله ولو بموته، لأن الحسد قد أوغر قلوبهم عليه، وهم يجهلون أنه بموته يصبحون كالنار التي انتهى حطبها وانطفأ لهيبها ولم يبق منها إلا رماد تذروه الرياح.
والأسرة التي يغتاظ أفرادها أو بعض أفرادها ممن يبرز أحدهم ممن بينهم بروزاً يطير باسمها في الآفاق فيصبح اسمها علماً في رأسه نار يُرى من بعيد ويُعرف من قريب، ولو أن الذين يحملون الغيظ في نفوسهم يسعون بجد ونشاط وهمة ومثابرة إلى انتهاج منهجه الذي رقى به إلى ذلك المركز الذي بسببه أصبح مكرماً ممجداً لدى الناس لورثوا مكانه واستمروا في إحياء ذكره وبقاء سمعة أسرتهم كما لو كان حياً لأنهم سيكونون البدلاء المحمودين من بعده.. أذكر بعض الأسر التي لا يتوانى بعض أفرادها عن تدبير المكائد لمن يتميز فيهم حسداً من عند أنفسهم، ومثل هؤلاء الأقارب لا يغفل بعض الشعراء عن وصف حالهم، وتصوير انطباعاتهم السيئة التي تحمل الكراهية للمتميز من بينهم وذلك مثل ما قال الشاعر المشهور البحتري إذْ يقول في بيت له من قصيدة قوامها:
ومن الأقارب من يُسَرُّ بميتتي
سفها وعز حياتهم بحياتي