يشعر المراقب للأحوال السائدة في العالمين العربي والإسلامي بذهول وألم، وبدهشة وأسى، وحسرة وحزن، كيف لا؟ والحال كما هي بادية للعيان تسر الشامتين، وتفرح الحاسدين، حال لو أنها فرضت عليهم لقاوموها وتصدوا لها بكل ما أوتوا من قوة دون تردد أو تأخر، لكن المؤسف أن هذه الحال الغارقة في الاستكانة والضعف، أضحت سمة عامة ملازمة، ترسخت في الوجدانات وغدت من الملامح المتواترة المتقبلة بكل طواعية ورضا.
هذه الحالة لا تتوافق مع أبسط مثل الكرامة، وقيم الاعتزاز، ومفاهيم الحرية، ومبادئ الاستقلال، التي تعد من المسلمات في الثقافة الإسلامية التي ينشأ عليها الإنسان المسلم، وهي جزء لا يتجزأ من نمط حياته، وبهذه المسلمات أكتسبت شخصية المسلم توازنا واعتدالا، كثير من هذه المسلمات تم التخلي عنها، وتم تناسيها، فلم يعد لها عند البعض قيمة وحضورا في تسيير الحياة، وتوثيق العلاقات، والتواصل مع المجتمعات الأخرى، وحل مكانها شخصية خانعة مستسلمة، ضعيفة منقادة، لا حول لها ولا قوة، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما الذي أصاب الشخصية المسلمة وجعلها بهذه الصفة من الانكسار وسلب الإرادة ؟.
الذي يثير هذا التساؤل نص الآية 141 في سورة النساء، والتي جاء في آخرها «... ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا» في هذه الآية وعد من الله تعالى للمؤمنين بألا يجعل للكافرين عليهم سبيلا أي طريقا وغلبة، هذا وعد من الله، والله متم أمره، لكن المتتبع للواقع السياسي يستنتج دون عناء أنه صار للكافر سبيل، فهو الذي يفرض رأيه وسلطته، وهو الذي يسير الأمور وفق هواه ومصالحه، بل إنه في بعض الدول يفرض رؤيته السياسية، وجعلها أمرا واقعا في تنظيم الحكم والإدارة، ووفقا لهذا الواقع الذي لا تخفى حاله نعم صار لهم على المؤمنين سبيلا، فاستباحوا البيضة، واستوطنوا الديار.
إن المتتبع لحال كثير من البلاد الإسلامية عبر التأريخ، يتبين له أنه قد حصل قتال بين الكفار والمسلمين ماضيا وحاضرا، وغلب الكفار المسلمين وظهروا عليهم واستباحوا بيضتهم واستغلوا خيراتهم وثرواتهم، وقد اجتهد المفسرون في بيان أحوال هذه الاستباحة وأسبابها، من ذلك أن الله لن يجعل للكفار سبيل يمحو دولة المؤمنين ويذهب آثارهم، كما أنه لن يكون لهم سبيل إلا أن يتواصى المسلمون بالباطل، ولا يتناهوا عن المنكر، ويتقاعدوا عن التوبة، والباب الأوسع للاستباحة هو ما يلحظ اليوم من تسلط واعتداء يقوم به المسلمون على بعضهم داخل ديارهم، فمنهم من يتسلط على شعبه، يظلمهم ويقتلهم، يروعهم ويسفك دماءهم، ومنهم من يعتدي على جاره، يثير القلاقل والفتن، والفرقة والبغضاء، وهذا ما حذر منه رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه ثوبان).....حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا) في هذه الحالة من تسلط المسلمين على بعض، تدخل الكافر واستباح البيضة، وأحداث الحاضر خير دليل على استباحات في أكثر من بلد من بلدان المسلمين ما كان لها من مسوغ سوى دعوى معالجة قلاقل وفتن تدور رحاها بين المسلمين أنفسهم.
ومن دواعي تسلط الأعداء على ديار المسلمين واستباحتها، الانهزام النفسي، والشعور بالدونية، يتبين ذلك في مظاهر الزيارات المتبادلة، وفي المحافل والمؤتمرات، فما إن يقابل أحدهم إلا ويبالغ في التودد له، والاعجاب به، ويبدي له الكثير من صور الترحيب، والمبالغة في التبسم، بل لا مانع عند البعض من التنازل عن ثوابت لا يصح التنازل عنها، بحجة المجاملة والممالحة، والمرونة والمسامحة.
ومن دواعي التسلط حالة الانفصال بين الشعوب وقادتها، مما ساعد على تهيئة بيئات خصبة وأجواء مناسبة لتعزيز حالة من التذمر والجفاء والكراهية، أفضت إلى خروج وحروب، وبالتالي استنجاد بالأعداء واستقواء بهم، وهكذا تدور الدوائر في بلاد المسلمين، إحن ومحن تصنع بأيدي المسلمين أنفسهم يباركها الأعداء لفسح المجال لمزيد من التدخل والاستباحة.
حقا من يهن يسهل الهوان عليه.
ab.moa@hotmail.com