تحدثت في المقال الماضي عن مجموعة من العوامل التي ساهمت في ثورة البحث العلمي بجامعة الملك سعود، وكان من نتيجة ذلك أن خيمت ثقافة النشر العلمي في قاعدة المجلات العلمية المحكمة والمرموقة (آي اس آي)، وزادت براءات الاختراع، وتبعا لذلك، زادت أعداد البحوث المنشورة في تلك المجلات وتطورت نوعياً، وهو النشر الذي ساهم في دخول الجامعة نادي الكبار والتقدم في التصنيفات العالمية، وهذا بالتأكيد يثير حفيظة من لا يريد لبني قومنا أن يتقدموا قيد أنملة.
لغة الأرقام تقول إن مجموع البحوث التي نشرها منسوبوا جامعة الملك سعود في مجلات (آي اس آي) لم يتجاوز 500 بحث في عام 2006، وقد تضاعف هذا العدد إلى 1200 بحث في عام 2010، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 2000 بحث هذا العام 2011. أيضا زادت براءات الاختراع الممنوحة والمنشورة والمودعة باسم الجامعة في مكاتب براءات الاختراع في أمريكا وأوروبا واليابان ومدينة الملك عبدالعزيز لأكثر من خمسين ضعفا (261 براءة اختراع بين الأعوام 2008 و 2011، بمعدل 40 إلى 50 في العام الواحد، وكلها من داخل الجامعة)، مقارنة ببراءة اختراع واحدة أو اثنتين في الأعوام قبل 2008!، وجدير بالذكر أن أكثر من 50 بالمائة من هذه البراءات مسجلة في مكتب براءات الاختراع الأمريكي.
وتبعاً لذلك فقد حصلت الجامعة على العديد من الجوائز العالمية في الابتكارات والإختراعات في بريطانيا وسويسرا وماليزيا وفي منظمات هيئة الأمم المتحدة، اذ بلغ عدد الجوائز 47 جائزة في عام 2011.
ومع كل ذلك فإن إدارة الجامعة تؤكد على أن طموحها أكبر من هذا بكثير، فالمفترض أن يكون الإنتاج البحثي لمنسوبيها أكثر مما تظهره الأرقام السابقة، فهم يطمحون إلى الوصول إلى المعيار العالمي الذي يشير إلى أنه يتوجب على جامعة الملك سعود - حسب كفاءاتها الأكاديمية - أن تنشر ما لا يقل عن 6000 بحث في العام في مجلات آي اس آي، وهو رقم كبير، ولكن طموحات القائمين على الجامعة أكبر منه، اذ يؤكدون على مقدرتهم على الوصول لهذا الرقم في المستقبل القريب.
وما يؤكد جديتهم حيال هذا الأمر هي أن مدير الجامعة أطلق مبادرتين قبل أيام، أولاهما، تتعلق بتفعيل الإستفادة من الاساتذة المتعاقدين والمتقاعدين من السعوديين، وذلك بتقديم منح بحثية للتأليف والترجمة بمبلغ عشرة ملايين ريال، ومبادرة أخرى بمبلغ مماثل لدعم الباحثين الجادين من الأساتذة المساعدين وتخفيف العبء التدريسي عن كل باحث متميز من 14 إلى 4 ساعات أسبوعيا، وهذه ممارسات أكاديمية شائعة في كل المؤسسات العلمية المرموقة.
ولأن الجامعة تؤمن بالاقتصاد المعرفي (تحويل الأفكار إلى منتج، أو تحويل المخرجات البحثية إلى واقع ملموس)، فقد تم تأسيس شركات تقنية في وادي الرياض للتقنية، بدأت ست منها بممارسة أعمالها فعليا، وثلاث ستبدأ بعد خلال أقل من شهر، ويملك هذه الشركات ويديرها خريجو الجامعة وبعض الأساتذة فيها!
هذه إنجازات حقيقية تثبتها الأرقام، وهي غيض من فيض الإنجازات غير المسبوقة للجامعة، وقد بذلت جهودا كبيرة في سبيل الوصول إليها، ومع هذا لم يقل أحد يوما إن مسيرة الجامعة التطويرية بلا هفوات، فمن يعمل لا بد أن يخطئ، ولكننا مع ذلك نؤكد على أن تقرير مجلة الساينس لم يكن بريئا بالمطلق، ولذا سأتناوله وأطرح الكثير من التساؤلات بشأنه في المقال القادم.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@