يرى كثيرون أن مجرد وجود وزارة للإعلام في أي بلد هو دليل على محدودية حرية الإعلام في ذلك البلد، باعتبار أن جانباً أساسياً من دور وزارات الإعلام هو مراقبة وسائل الإعلام والتأكد من أنها لا تخرج عن الخط المرسوم من السلطة.
ومثل هذا - وأكثر! - ينطبق على الثقافة، باعتبار أن «الوزارة» كشكل إداري هي «تأطير»، إن لم نقل «تقييد»، بينما الثقافة «انطلاق» و»إبداع» بعيداً عن القيود والحدود.. فالمثقف أو المبدع لا يلبث أن يشعر بالاختناق لحظة أن يجد نفسه أسيراً لمعايير ومحددات بيروقراطية ترسم له المسار مهما بدت هذه المحددات والمعايير منطقية من أي منظور مجتمعي.. فكيف تكون الحال عندما تكون الوزارة للثقافة وللإعلام في آن واحد!؟
في منزله العامر يستضيف أستاذنا الدكتور راشد المبارك مساء كل أحد مثقفين وكتاباً ومسؤولين، وتدور أحاديث وحوارات في شتى مناحي الثقافة والفكر وقضايا المجتمع حتى غدت أحديته الشهيرة علامة بارزة في ساحتنا الثقافية من خلال برنامجها الثابت.. ويُحسب أيضاً للدكتور راشد أنه، إلى جانب فعاليات «الأحدية» المجدولة والثابتة، كثيراً ما يضيف فعاليات أخرى طارئة يستضيف فيها شخصيات مرموقة في أيام أخرى من الأسبوع مثلما حدث عندما استضاف مؤخراً معالي الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام.
في ذلك المساء كان مجلس الدكتور راشد يغص بالكُتَّاب والمثقفين من كل الأطياف فلم يكن غريباً أن ينصب الحديث -في حضرة الدكتور خوجة - على قضايا الثقافة وقضايا الإعلام، خصوصاً أن الدكتور خوجة شاعر وكاتب قبل أن يكون مسؤولاً حكومياً بدرجة وزير للثقافة والإعلام. تشعب النقاش، كالعادة، لكن سرعان ما تحول إلى الموضوع الساخن وهو درجة الحرية التي يتمتع بها الإعلام السعودي.
في مثل هذا الموضوع الجدلي سيكون لكل محاور رأيه الخاص، لكن كان من اللافت استيعاب وتفهم الوزير للآراء الأخرى التي لم تكن بالضرورة تتفق مع رأيه في كل الأحوال.. فالوزير كان يتحدث عن مدى واسع متاح من الحرية للإعلام السعودي في الوقت الحاضر ولم يكن هذا هو رأي كل الموجودين وهم، كما قلنا، مثقفون وكتاب ممارسون يتعاملون مع الشأن الإعلامي بشكل يومي.
من منظور نسبي لاشك أن هامش الحرية الإعلامية قد ازداد لدينا بشكل واسع.. لكن هذا الآن، في تقديري، أصبح تحصيل حاصل لأن الثورة الإعلامية الهائلة التي فجرتها التقنية الحديثة لن تترك المجال لأحد أن يتخلف عن الركب. هي، بالضبط، كما توقع المفكر المعروف «ألفين توفلر» في كتبه الشهيرة التي أصدرها منذ سنوات مثل الموجة الثالثة وصدمة المستقبل وتحول السلطة. نحن نرى كل ما توقعه توفلر وغيره من الاستشرافيين المستقبليين يتحقق بشكل مذهل، فصارت الكرة الأرضية قرية كونية كما توقعوا.. ولم تعد أساليب الرقابة العتيقة ذات معنى.
ربما من أكثر الجوانب التي أثارها الوزير دلالة ما يمكن أن نسميه إعادة هيكلة بعض مكونات الوزارة.. وهذا ليس بالضبط إلغاء الوزارة كما هي الحال في الدول الغربية المتقدمة وفي عدد متزايد من الدول الأخرى، لكنه خطوة تطويرية على الطريق.. لكن المهم أن نعي أننا نعيش زمن السماوات المفتوحة فلم يعد المتلقي محاصراً بخيارات محدودة.. كل الخيارات متاحة في زمننا هذا.
