ما يحدث في سوريا زلزال تاريخي، ويختلف عن أي حدث آخر في هذا العصر، فنجاح الثورة في سوريا سينتج عنه تغيير حقيقي في وجه الصراع العربي الإسرائيلي، لذلك لا يمكن تفسير الفيتو الروسي والصيني ضد إدانة الأحداث في سوريا على أنه قرار لمنفعة المصالح الروسية والصينية، واللتان نادراً ما تجرأتا على مخالفة الغرب في توجهاته السياسية في الشرق الأوسط، ويذكر التاريخ أن روسيا لم تستخدم الفيتو منذ 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلا مرتين: الأولى لمنع قرار ينتقد قوات صرب البوسنة، لعدم سماحها للمفوض الأعلى للاجئين بزيارة بيهاك في البوسنة، ومرة أخرى لعرقلة صدور قرار حول تمويل نشاط الأمم المتحدة في قبرص، بينما استخدمته الصين أيضاً مرتين منذ التسعينيات الميلادية، عام 1999 لإعاقة تمديد تفويض قوات الأمم المتحدة الوقائية في مقدونيا، وفي عام 1997 لإعاقة إرسال 155 مراقبا من مراقبي الأمم المتحدة إلى غواتيمالا.
لا يذكر التاريخ أنهما استعملاه ضد تدخل الغرب في قضايا الدول العربية، بدءا من الصراع العربي الصهيوني المزمن أو في الحرب ضد العراق التي تم تدميرها، أو ضد تدخل الناتو في الحرب الأهلية الليبية الأخيرة، لكنهما فاجآ العالم باستعمالهما حق الفيتو ضد إدانة الجرائم بحق الشعب السوري، وليسمح لي القارئ أن أقدم القراءة غير الشائعة لموقف روسيا والصين المفاجئ، والذي حسب وجهة نظري ما كانت لتحدث من دون التنسيق مع الغرب، والذي لا يريد التدخل في مساندة الثورة الشعبية في سوريا لأسباب إستراتيجية وتدخل في صميم قضية الأمن الإسرائيلي.
يذكر التاريخ العربي و الإسلامي أن توحيد الشام ومصر تحت سلطة سياسية موحدة كان بوابة تاريخ الانتصارات العربية، بدءا من فتح القدس في زمن عمر بن الخطاب، والذي عبر من خلاله العرب إلى شمال أفريقيا والأندلس، لكن الصورة قد تبدو أكثر وضوحاً في هزيمة الفرنجه في حطين على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، إذ لم يتمكن من التصدي للفرنجة ودحرهم في معركة حطين إلا عندما وحّد صلاح الدين الشام ومصر، ثم جعل تحرير القدس (أي فلسطين) غايته المباشرة، ولم يتمكن المماليك من تحرير فلسطين من بقايا الصليبيين إلا بعد أن طرد سيف الدين قطز على يد قائده المظفر الظاهر بيبرس المغول، ولم يُهزم محمد علي إلا عندما فشل في توحيد مصر والشام. وحاول جمال عبد الناصر أن يحكم العالم العربي عبر إعلان الوحدة في 22 شباط - فبراير 1958، وبالفعل تم في عام 1960 توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة، وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضاً، لكن الوحدة الإستراتيجيه أُنهيت بعد عامين بانقلاب عسكري في دمشق يوم 28 أيلول - سبتمبر، ليضيع الحلم الناصري في فتح بوابة الانتصارات العربية.
ربما لهذا السبب لا يتحمس الغرب في مساعدة الثورة السورية، والتي إن نجحت ستتغير بسببها خريطة الشام، وربما يعود التحالف القوي بين جنوب وشرق المتوسط والذي كان دائما مفتاح الانتصار العربي الإسلامي ضد الغزوات الغربية، وسيكون الخاسر الأكبر دولة إسرائيل واليهود الغزاة، لذلك انحاز الغرب للحكم الطائفي في الشام وحكم الأقلية، وذلك لمنع أي محاولة لاتحاد الشام ومصر في ظل الصعود القوي لتيار الإخوان المسلمين، ولهذا السبب، استخدمت الصين وروسيا حق الفيتو في مجلس الأمن لمصلحة الغرب، وذلك لرفع الحرج عن الموقف الغربي في عدم إدانة الجرائم السورية في مجلس الأمن، وبالتالي اللجوء لاستخدام القوة لرفع الظلم عن الشعب السوري مثلما فعلت في ليبيا ضد القذافي، ولهذا السبب أيضاً يقف العالم متفرجاً على القتل اليومي للشعب العربي السوري.