منذ أكثر من عامين، التقي - أمير منطقة مكة - خالد الفيصل بأعضاء هيئة تدريس، وطلبة جامعة - الملك - عبد العزيز، حول موضوع «منهج الاعتدال السعودي»؛ لتكريس المواءمة، والموازنة بين
التمسك بأهداب الدين، والقيم الإسلامية من جهة، والاستفادة - من جهة أخرى - من المكتسبات الحضارية العالمية، المنضبطة بضوابط تلك القيم؛ وليتشرف باستحداث كرسي بحثي في الجامعة؛ لتأصيل هذا المنهج: سياسياً، واقتصادياً، وتاريخياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتنفيذ برنامج توعوي؛ لنشر ثقافة الاعتدال في المجتمع عامة، وبين فئات الشباب خاصة.
- وقبل أيام -، واصل سموه على ضوء ما أسفر عنه اللقاء السابق، وما تبعه من وقائع؛ لتفعيل هذا الهدف، من خلال المستجدات المحلية، والإقليمية، والعالمية، التي تعيشها المنطقة؛ ليلقي محاضرته هذه المرة في الجامعة الإسلامية، في ليلة من ليالي الفكر النيرة، حيث لا تزال تؤكد سلامة هذا المنهج، ودوره في حماية بلادنا العزيزة، وتحقيق أمنها، ورخائها، ومنعتها. إذ إن إنشاء هذه الكراسي، سيكون لها شأن كبير في تأصيل منهج الاعتدال، وتحقيق الوسطية في ثقافتنا الوطنية، وتجسيدها كواقع على المستوى النظري؛ ليصبح هذا المنهج خاصة من خصائص الدولة السعودية، وسمة واضحة تتميز بها عن سواها في جميع مجالات الحياة العقدية، والفقهية، والفكرية، والسلوكية، والسياسية، وحتى في ديمومة العلاقة مع غير المسلمين.
دور الجامعة الإسلامية، برز - أيضاً - في نشر الوسطية من منطلق رسالتها العلمية، والتربوية، والثقافية. باعتباره امتداداً لرؤاها الفكرية المستنيرة، والتي تعد علامة مضيئة في تاريخها المعاصر، وذلك من خلال تبنّيها سياسة الحوار، والتفاعل مع الثقافات الأخرى، ومد جسور التواصل، والاحترام المتبادل. وهو ما سيشكل في نهاية المطاف، الانفتاح على الآخر، وبناء العلاقات الإنسانية في مجال الحراك المجتمعي، دون التفريط بثوابت العقيدة.
إنّ الاعتدال في شتى نواحي الحياة، يعتبر من أعظم المبادئ التي حثت عليها الشريعة - عقيدة وعلماً وعملاً وأخلاقا ومواقف -. وهو منهج الأنبياء، وأتباعهم، ولا يتحقق ذلك إلاّ بما أقرّته أصول الإسلام، ومصادره الأساسية من الالتزام بالكتاب، والسنّة، وسبيل المؤمنين. ويتمثل ذلك بالإسلام الصحيح بعد مبعث - النبي صلى الله عليه وسلم -، وبالسنّة، ومنهج السلف بعد ظهور الأهواء، والافتراق، وتقديم الإسلام في حقيقته، ومحكماته، بعيداً عن التأويلات المتشابهة، أو المغرضة، أو بما علق به من بعض مظاهر الغلو. والأمل في الخروج من هذا، هو في عودة أمة الوسطية التي نشرت الحق، والعدل، والسلام.
drsasq@gmail.com