سألني صديق تعلق ابنه بفتاة يرغب الزواج منها عن رأيي في ذلك، لكون الفتاة تنحدر من عائلة يغلب على أفرادها التفكك والتباعد والاستهتار وعدم المبالاة، بل وقلة الذكاء وعدم الاختلاط بالناس وفقدان الإحساس بالآخرين وبآلامهم، وعدم مشاركتهم في أفراح وأتراح الناس، بل لا يقيمون وزناً لذلك ولا يعتبون على الآخرين إن هم قصروا معهم..
... ولا يرغبون أن يعتب عليهم أحد إن حصل التقصير منهم ولا يهتمون بتربية الأبناء ولا بتقويم مسالكهم إلى آخر ما جاء في وصف الصديق عن أهل تلك الفتاة، فأبديت له اندهاشي من معلوماته تلك وكيف استقاها الأمر الذي أوضحه بأنه يعرف تلك العائلة منذ القدم ثم بادرته بسؤالي عن الفتاة التي تعلق بها قلب ابنه فقال: إنها تختلف عنهم تماماً بحسب ما سمع من أهل بيته، ثم أخذ يردد أنه وابنه وأهل بيته لهم من الحزمة عود (وهذا مثل دارج).
كان صديقنا يبحث عمن يستنير برأيه عله يرشده وكأنه تائه بين تلبية رغبة ابنه وخوفه من تأثير أهل تلك الفتاة عليها وعلى مستقبلهما وما سيرزقهما الله من ذرية، فذكرته على الفور بحديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم (تخيّروا لنطفكم فإن العرق دساس) فأجابني وقد بدت عليه ملامح الحيرة بشكل أكبر أنه يعلم ذلك ولكنه لا يعلم كيف يقنع ابنه.
راعى الإسلام بشكل واضح في تعليماته لحسن اختيار الزوجة الجانبين، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس). فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يؤكد على اختيار الزوجة من الاسر التي تحمل الصفات الحسنة والنبيلة، لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده مستقبلاً، وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم قائمة على هذا الأساس، فاختار خديجة- رضي الله عنها- فأنجبت له أفضل النساء فاطمة -رضي الله عنها- وتبعه في السيرة هذه أهل البيت- رضي الله عنهم- فاختاروا زوجاتهم من الاسر الكريمة وإلى جانب الانتقاء على أُسس الوراثة، أكد الاسلام على انتقاء الزوجة من المحيط الاجتماعي الصالح الذي أكسبها الصلاح والبر وحسن السلوك، فحذّر من المحيط غير الصالح الذي تعيشه، فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم وخضراء الدمن، المرأة الحسناء في منبت السوء).
وقد أكدت الروايات على أن يكون التدين مقياساً لاختيار الزوجة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع على ذلك، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (عليك بذات الدين تربت يداك).
فالمرأة المنحدرة من سلالة صالحة ومن أسرة صالحة، وكان التدين صفة ملازمة لها، فإن سير الحركة التربوية يتقدم أشواطاً إلى الأمام ويكون التوازن في تربية الجسد والروح متلازمان، وتكون تربيتها للأطفال منسجمة ومتناغمة مع القواعد التي وضعها الاسلام في شؤون التربية، فيكون المنهج التربوي المتبع متفقاً عليه من قبل الزوجين، لا تناقض فيه ولا تضاد، وتكون الزوجة حريصة على إنجاح العملية التربوية وتعتبرها تكليفاً شرعياً قبل كل شيء، هذا التكليف الهام يجنبها عن أي ممارسة سلبية مؤثرة على النمو العاطفي والنفسي للأطفال.
أتمنى أن يقرأ ليس فقط ابن صديقنا ما كتبت واستعنت به في هذه العجالة، بل كل شاب مقدم على زواج.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com