نقلت وسائل الإعلام أن الناطق باسم حزب النور السلفي الدكتور يسري حماد تحدث لإذاعة الجيش الإسرائيلي قبل عدة أيام رغم نفيه علمه بأن المقابلة كانت للإذاعة الإسرائيلية، أكد فيها ان حزبه لا يعارض إجراء مفاوضات مع اسرائيل، وان الحزب سيحترم الاتفاقيات الموقعة مع الدولة الصهيونية، ولم يتوقف عن الأمر عند ذلك، ولكن اتهم الإعلام بأنه يحاول تشويه صورة الاسلام وصورة حزبه!، وأضاف «»ان حزب النور السلفي سيرحب بكل السياح حتى الاسرائيليين، وهم مرحب بهم دائما، ولا مانع لدينا من قدومهم إلى بلادنا».. وأقول للمتحدث باسم حزب النور أن له الحرية في أن يقول ما يشاء ويصرح لمن يريد، لكن بدون أن يُدخل الإسلام داخل إطار صورة حزبه السياسي الصغير، لما في ذلك من تدليس سياسي، إذ ظهر المتحدث باسم الحزب على أنه الموقع باسم الله تعالى في مسائل تطبيق أحكام الدين الإسلامي في السياسة، ولهذا السبب يطالب الكثير بفصل الدين عن الرأي السياسي، وذلك لأن الرأي السياسي يدخل في عالم المتغيرات، بينما الدين والإيمان يمثلان الثابت الذي لا يتحول.
أثبتت التجارب الإنسانية التاريخية أن الهدف من إدخال الدين في قضايا السياسة المتغيرة تحقيق مكاسب سياسية وسلطوية، ولأن الحديث باسم الله عز وجل له تأثيره غير العادي على العامة، ومن خلال كلماته عز وجل يتسلق بعضهم السلالم للوصول إلى البرلمان وغيره، وأيضاً عبره يصل كثير من الناس إلى غاياتهم المادية والإعلامية، بل إن كثيراً من المدّعين أصبح يملك الأموال الطائلة من خلال منح الشرعية لمن يرجى خلفه منفعة، ويردد بعض الفقهاء مقولة أن فصل الدين عن السياسة يتنافى مع الإيمان بالقرآن، وأن السياسة يجب أن تلتزم الأحكام القرآنية، ويصح ذلك في حالة وجود آراء سياسية ثابتة، وبالتالي يمكن القياس عليها كلما استجد في السياسة حالاً جديدة، ولو كانت ثابتة وتحكمها النصوص لصعب تأصيل ما قاله المتحدث الرسمي لحزب النور السلفي لإذاعة الجيش الإسرائيلي، وهل ترحيبه بالسياح الصهاينة يتطابق مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة في شئون السياسة، أم أن الأمر لا يخلو من تصريح ميكافيلي يطمح لمزيد من المكاسب السياسية من الدول الكبرى.
ستواجه التيارات الدينية مأزق مواجهة الواقع والمتغيرات السياسية، إذ دائماً ما يحلو التشدق بالشعارات في موسم حصاد الأصوات الانتخابية، لكن حين يقترب رموز الحزب من كراسي السلطة يقبلون بقانون المتغير السياسي من دون مقدمات، وإن كان ذلك أمن العدو واستقبال السياح الصهاينة بالأحضان، وحتماً ستكون المرحلة القادمة امتحانا لكل أولئك الذين صعدوا على مرجعية الشعارات الرنانة، والجدير بالذكر أن الشعارات العروبية والبعثية والناصرية وغيرها قد واجهت مصير الفشل بعد صعودها لكراسي الحكم في امتحان السياسة، كذلك سيواجه متسلقو الشعارات الدينية نفس المصير عند أول تصادم بين شعاراتهم الصاخبة، وبين المتغير السياسي في الواقع.
لهذا السبب على الناس بمختلف أطيافهم أن يعوا جيداً متطلبات اللعبة السياسية، و التي تحتاج قبل كل شيء إلى المصداقية والشفافية، وإلى أن قيمة المرشح الحقيقية مصدرها برنامجه السياسي والمدني والاقتصادي، وليس إتقان التقية وفنون التمويه والخداع على الناس حين يظهر على شاشات السياسة في صورة الداعية والواعظ الذي يبشر بحاكمية الله عز وجل، لكن في جانب آخر يقدم التنازلات ويظهر في صورة السياسي المحنك، بينما كان الأنسب أن يتحدث ممثل الحزب كرجل سياسة مدني، يحترم عقول الناس، مقللاً من صور التناقض في آرائه إلى أدنى درجة، ومدركاً أجواء الواقعية السياسية في حدود.
إحدى أزمات التيارات الدينية المعاصرة تذبذبهم بين شعارات تيار الأصولية الجهادية الحاكمية، وبين البراغماتية المتلبسة برداء الأصولية، كذلك تقديمهم حزبهم للمجتمع على أنه حامل لواء التركة التاريخية من الماضي التليد، وعلى أنهم حملة الأمانة عبر السنين في جيوب المعارضة وخنادقها، لكن يبدو أن شعاع السلطة له آثاره السلبية، ولابد من إنزال بعض الأحمال الثقيلة، وذلك من أجل إما أن يلتقطوا أنفاسهم، من خلال الدخول في لعبة الحيل السياسية إلى أن يشاء الله عز وجل التمكين لهم في الأرض، أو أنهم في حقيقة الأمر سياسيون على نهج عبدالملك بن مروان، والذي ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء، إن صحت روايته، أنه بعد أن أُفضي الحكم إليه، والمصحف في حجره، أطبقه وقال هذا آخر العهد بك.