لم تكن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في افتتاح أعمال القمة الخليجية الثانية والثلاثين قادة دول مجلس التعاون الخليجي للانتقال من التعاون للوحدة أمراً مفاجئاً لي على أقل تقدير لما عرف عنه - حفظه الله - من حرص على وحدة الأمة جمعاً فكيف بوحدة الأسرة الواحدة أسرة الخليج التي لا تعد في الحقيقة دولا مختلفة بل كياناً واحداً لما يربطها من عوامل مشتركة منذ فجر التاريخ. وقد قرأت هذه الدعوة منذ لحظة سماعها على أنها مشروع خليجي قادم بقوة وأن تفاعل القادة معه سيكون على أعلى درجات الاهتمام , وهذا ما حصل بالفعل وكان البيان الختامي الذي أكد على دراسة هذه الفكرة فوراً.
كلمة خادم الحرمين الموجزة لخصت الوضع المتأزم في أكثر من مكان وأوجبت على دول المجلس الإسراع في تحمل المسؤولية حماية لديننا وأوطاننا , وقال خادم الحرمين:
نجتمع اليوم في ظل تحديات تستدعي منا اليقظة, وزمن يفرض علينا وحدة الصف والكلمة. ولا شك أنكم جميعاً تعلمون أننا مستهدفون في أمننا واستقرارنا, لذلك علينا أن نكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه ديننا وأوطاننا.
كما أننا في دول الخليج العربي جزء من أمتنا العربية والإسلامية, ومن الواجب علينا مساعدة أشقائنا في كل ما من شأنه تحقيق آمالهم وحقن دمائهم وتجنيبهم تداعيات الأحداث والصراعات ومخاطر التدخلات.
وأضاف: علمَنا التاريخ وعلمتنا التجارب ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع وحقيقة الضعف, وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا وأهلنا واستقرارنا وأمننا. لذلك أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر، إن شاء الله.
هذه الكلمة كلمة صادقة تحكي واقع الأمة وواقع الخليج, فالأمة باتت في وضع يحتم على دول الخليج الوقوف معها حماية للأرواح والأعراض والأوطان, ودول الخليج صارت مستهدفة لما تتمتع بها من أمن ورخاء.
جاء بيان القمة مؤكداً على أهمية الوحدة بل ومتجاوباً وبشكل يبعث على الطمأنينة لهذه الدعوة من لدن الملك عبد الله مما يعطي مؤشراً قوياً على أن قادة الدول الست يدركون تمام الإدراك أهمية الوحدة السياسية والاقتصادية والأمنية, ليكتمل عقد الوحدة الموجودة أصلاً وهي الوحدة الاجتماعية بين كافة شعوب دول المجلس الست, واشتمل البيان الختامي على عدد من التوصيات ذات الأهمية أوكلت للهيئة الاستشارية وهي:
1 - إستراتيجية للشباب، وتعزيز روح المواطنة.
2 - إستراتيجية التوظيف لدول المجلس في القطاعين الحكومي والأهلي.
3 - إنشاء هيئة خليجية موحدة للطيران المدني لدول المجلس.
4 - الأمراض الصحية غير المعدية في دول المجلس.
5 - ضرورات الكنفدرالية الخليجية في ضوء النظام الأساسي لمجلس التعاون.
لا شك أن هذه النقاط الخمس في غاية الأهمية وتحتاج إلى دراسة مستفيضة وسريعة في نفس الوقت, فدول الخليج أمامها تحديات خطيرة ومصيرية سواء ما يتعلق بقضية تعزيز روح المواطنة لدى الشباب في ظل هذه الهجمة الإعلامية الكبيرة من كافة الجهات مما جعل من الشباب ضحية لمفاهيم مغلوطة وآراء خطيرة في ظاهرها الخير وفي باطنها الشر كله, مما يصعب على المربي سواء في المدرسة أو البيت السيطرة على هذه المفاهيم وتغيير هذه الآراء الظالمة لاوطاننا.
وكذلك ما يتعلق بمسألة التوظيف التي هي الأمان للمواطن والأمان في نفس الوقت للوطن, فلا أمن لأي وطن تدار مؤسساته بغير أيدي أبنائه, ولذا كانت القمة واعية لهذا الخطر وهذه المشكلة, ونتطلع من الهيئة الاستشارية التي نعرف أن أعضاءها من خيرة رجال دولنا الست أن تولى هذه القضايا المحالة إليهم العناية الفائقة والسريعة, فالزمن لا يحتمل التأجيل والتسويف.
إن دعوة خادم الحرمين الشريفين التحول من التعاون إلى الوحدة دعوة صادقة وجاءت في وقتها ونحن في أمس الحاجة إليها والملك حفظه الله عندما قالها كان يدرك أهمية ذلك ونبرة صوته كانت مؤكدة على أهمية الأسرع في إتمام هذه الوحدة فالذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية.
دول الخليج الست تعيش في وضع اقتصادي مختلف عن جميع دول العالم وتحتاج لبقاء هذا الرغد في العيش أن تكون متكاملة لا متنافرة, كما تحتاج إلى عناية خاصة بمواطنيها فكما هو معلوم أن القوة الحقيقية لأي دولة هي الجبهة الداخلية فمتى كان الشعب في انسجام وتوافق مع قيادته كانت الدولة أقوى وأكثر صموداً في وجه العاديات, وهذا الأمر يدركه قادتنا ولذا كان جزء من التوصيات مهتم بذلك.
وحدة عبد الله بن عبد العزيز قادمة بإذن لله وبقوة لنكون أكثر قوة وأكثر لحمة وأكثر صموداً في وجه كل متربص وحاقد.
والله المستعان,,
almajd858@hotmail.com