المبدأ الذي لا يمكن أن يختلف عليه العقلاء هو أن المرأة بطبيعتها التكوينية ووظيفتها الاجتماعية (عاملة)، وليست في عرف الاقتصاد الاجتماعي (عاطلة)..
ولكن حينما تدعو الحاجة إلى عملها الإضافي لسد احتياج وطني فإن هذا الأمر يتأكد عليها لتلبية النداء الوطني.
ولا يجب أن يُفهم أن حق المرأة في مزاولة التجارة أو الصناعة أو الإدارة ممنوع؛ فإن هذه مسلَّمة شرعية، يجب ألا نختلف عليها؛ حيث إن أم المؤمنين خديجة كانت من أبرز نساء المسلمين؛ حيث كانت تدير تجارتها، بل كان خير البشر أحد الذين استفادوا منها رضي الله عنها.
ونحن هنا يجب ألا نناقش المسلَّمات.. بل نحتاج إلى الانتقال منها إلى الأدوات والآليات وتوافر البيئات التي تحفظ على المرأة حقها وتحميها؛ وبالتالي تقلل من القلق الأمني الذي عادة ما يتوافر في الأماكن التي يصعب ضبطها.
والاستقرار الذي نلمسه نحن الاجتماعيين في أسواقنا التجارية يجب ألا نتجرأ عليه بمبادرات لم تُحسب أبعادها الأمنية والاجتماعية.. بل والاقتصادية؛ لأن المردود الاقتصادي يجب ألا يحسب في توظيف أكبر عدد من النساء؛ ليحصلن على المال، بل في كل ما يمكن أن يتأثر بذلك في مختلف مجالات الحياة.. وأهمها وأكثرها حساسية الاستقرار الاجتماعي والأمني والأسري داخل مجتمعنا السعودي.
من الإنصاف ألا نقف ابتداء مع أو ضد الأشياء التي تحتاج إلى موازنة ومدارسة وترجيح مصالح ومفاسد!!! ومن هنا حينما تكون ثقافة المجتمع السعودي في عمل المرأة أقرب إلى المحافظة منها إلى الانفتاح.. فإن القرارات التي تحاول وزارة العمل تطبيقها وتفعيلها في واقع عمل المرأة في الأسواق لا تزال محل وقفات وخلافات، أتأكد أن مجملها يصب في مصلحة الاستقرار الوطني الذي نقف كلنا خلفه.. وأظن أن هذا الدفع من وزارة العمل لمفهوم العمل في جانب المرأة لا يزال بحاجة إلى بناء وأسس وحلول جذرية لا يكفيها اشتراطات يصعب توافرها وضبطها ومتابعتها.
نعم، ما أجمل أن يكون أمام المرأة امرأة تبيع لها مستلزماتها الداخلية.. ولكننا هنا نريد أن نعالج (المبيع)، وهي الملابس، من أجل ألا نخدش حياء المرأة حينما تناقش في ذلك الرجال.. ثم ننسى في زحمة هذا الهمّ الإيجابي أن نزج بالمرأة نفسها (بائعاً) لتزاحم الرجال دوماً في محالهم.. بل وعبر دوريات في كل وقت تتجدد أوجه النساء أمام من يديرون المحال أو المصانع وما شاكلها.
إن البيئة والتركيبة التي تتكون منها أسواقنا لا تسمح بأي شكل من الأشكال بتطبيق فعلي وفعّال لبعض ضوابط وزارة العمل، فضلاً عن إجمالها.. فمحالنا يختلط حابلها بنابلها.. بل يمكن أن نجد في محل أغلب الأشياء.. ومن هذه الأشياء جزء بسيط من مستلزمات النساء.. فهل يعني أن يُلزم التجار بتوظيف النساء على أعبائها في مثل هذه الأجواء؟..
إننا بحاجة ابتداء إلى تصنيف محالنا وتحديد من يصلح فعلاً لبيع المستلزمات النسائية وما الاشتراطات التي يجب توافرها ابتداء لذلك.. لا أن يفرض الاشتراطات على واقع مشوش يصعب مهما كانت ضوابطنا وجهودنا أن نرتقي به ونضبطه.
إن الإصلاح والتطوير لا يمكن أن ينضبطا بالترقيع، أو أن نضع جداراً أو ستاراً هنا أو هناك، وعليه فإن المستلزمات النسائية يجب أن تُحدَّد أولاً ثم يجب أن يكون لها أماكن مستقلة (كالمشاغل النسائية مثلاً).
إننا بحاجة إلى حشد قيمي لتربية ثقافة تقدِّر الحق، وتعمل بالحق وللحق، يحدوها في ذلك كله مصلحة الوطن وحفظ مواطنيه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحن أحوج إلى خلق بيئة تجارية مناسبة لثقافتنا الاجتماعية في قضية المستلزمات النسائية، وهذا الموضوع يمكن ضبطه والخروج فيه بتصور نموذجي رائد حينما يطرح هذا الأمر على كل جهة معنية به، فليست وزارة العمل وحدها هي التي تقرر ذلك مع تقديرنا لها؛ فهناك الأمن، وهناك الهيئات، وهناك الأمانات والقضاء، وهناك التجارة، والغرف التجارية.. بل والتجار.. كل هذه وربما غيرها بحاجة إلى أن يكون لها دور في القرارات وفي تفعيلها وفيما يناسب أو لا يناسب منها..
ولا يجب أن تكون وسيلتنا الوحيدة من خلال وزارة العمل هي التهديد والوعيد والمنع والإغلاق وفلسفة النطاقات وما فيها من خروقات.. بل يجب أن يكون بيننا بوصفنا مؤسسات حكومية وقطاعات خاصة أرضية مشتركة نعمل من خلالها باحترام وانضباط وقناعة، لا أن نجعل من مفهوم السعودة صورة أو شماعة نختلق لها قوانين فيختلق التجار لها الحيل والتحايل.
إن صناعة القرارات في معزل عن واقعها وأبعادها تؤذن بحيل يصعب السيطرة عليها مستقبلاً.
والأمل في وزارة العمل ألا تأخذ هذا الأمر على عجل؛ فكل الجهات المذكورة لها حق في الاستشارة؛ لأنها هي من ستتحمل عبء وأعباء القرارات ومتابعتها الميدانية.
والقرارات الوطنية لا تخص مدينة أو محافظة بعينها؛ فنحن أمام مجتمع مترامي الأطراف، فيه المدن الكبرى، وفيه المراكز والهجر الصغرى.. ولديهم من المفارقات ما لا يخفى على كل قائد ومسؤول.. وإذا كانت البيئة مهيأة في مكان أو مكانين فلا يعني ذلك أن الأمر مهيأ بيئياً وثقافياً في الأماكن الأخرى؛ وبالتالي فنحن بالإصرار والتهديد نجيِّش ثقافة مضادة لما نخطط له وطنياً.
لا أنوي الدخول في تفاصيل القرارات، ولكنني أردت أن أثير انتباه رعاة المسؤولية عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي ستصحب سَنّ قرارات لم يُستشر فيها مجلس الشورى، ولم يؤخذ فيها رأي كل من يعنيها..
ما دعاني إلى أن أكتب في ذلك شعوري بأن هذه قضية وطنية كبرى، لا يسع المختصين في الاجتماع أو الاقتصاد أو الأمن ألا أن يقولوا فيها شيئاً نستشعر أمانتنا فيه لمصلحة وطننا واستقراره وأمنه وتنميته.. وهذه عموماً هموم واستفهامات أضعها كمستلزمات لإشكالية بيع المستلزمات النسائية في أسواقنا التجارية.
(*) جامعة القصيم