قدَّمت الزميلة الإعلامية هناء الركابي، مطلع هذا الأسبوع حلقة بعنوان: ماذا بعد الربيع العربي؟ عبر برنامج (حوار الأجيال) الذي تبثه القناة السعودية الأولى على الهواء مباشرة، قبل ختام الحلقة بدقائق جاءت مداخلة هاتفية بصوت طفلة صغيرة، أدت التحية ثم وجهت جملة نابية للمذيعة! لم تنفعل هناء الركابي، بل ردت بتلقائية: «جزاكِ الله خير.. والحمد لله أنكِ ستأخذين من ذنوبي». هذا الأسلوب الهجومي البذيء ليس الأول من نوعه، بل تكرر كثيراً عبر قنوات فضائية مختلفة ومع ضيوف وإعلاميين من كل حدب وصوب. قمت بنقل ما حصل على صفحتي بموقع تويتر، هذا الموقع الذي أكمل فيه اليوم شهري الأول، ردود الأفعال التي وصلتني باختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية والدينية والطائفية أتت ضد هذا التصرف الناتج عن خلل أخلاقي أولاً، وخلل آخر في فهم الحياة بالخط المتوازي للمرأة والرجل. من التعليقات التي أنقلها لكم هنا، رد الصحفي عبد الله آل هيضه: «بداية موفقة لحوار الأجيال، حيث لا نزال نعيش بين سطور التخلف والتلقين». أما التعليق الآخر الذي توقفت كثيراً أمامه، ولا أخفيكم أنه أصابني بالذهول، فهو ما أتى عبر شخص يكتب باسمه الحقيقي ويعمل إماماً لأحد أهم جوامع العاصمة الرياض، إضافة إلى أنه محام ومستشار شرعي وقانوني، إذ يقول: «خلل التبرج والسفور خلل أخلاقي عملي، لفظ البنت خلل أخلاقي قولي، وشتان بين الخطأين» في الحقيقة لا يمكن أبداً أن أستوعب هذا الفكر الجانح بحدة نحو التطرف، فكيف يصف إعلامية على القناة السعودية بالتبرج والسفور، وجميعنا لا نرى إلا نساء محتشمات بكامل حجابهن؟ والأمر الأشد مرارة هو تهوينه من خطأ الطفلة، بل إنه يعتبر أن المتبرجة السافرة - من حيث رؤيته- تستحق أن يتم التلفظ عليها بأسوأ العبارات - والعياذ بالله- والله أعلم إن كان هذا ومن ينتهج فكره أن يبيحوا أكثر من الخطأ اللفظي. إن مداخلة هذا الشخص آلمتني كثيراً لأنه في النهاية ينتمي لهذا المجتمع الذي يتخذ من محمد - صلى الله عليه وسلم- قدوةً، هذا المجتمع الذي يقرأ آيات الله - عزَّ وجلَّ- ويفهمها ويتفكَّر فيها، وهو سبحانه من أوحى لرسوله بآية (عبس وتولى) ناهياً عن عبوس الوجه فكيف لو كانت كلمات بتلك الألفاظ الجارحة المقزِّزة، فكيف بهذا الشخص أن يتولى إمامة المسلمين ودوره هو توجيه الناس وحثهم على أخلاق الرسل! لا.. أقولها بكل ألم، وأنا أدعو، بل أرجو وزارة الشؤون الإسلاميةإلى مراجعة مساجدنا والقائمين عليها.
الأمر الآخر الذي علَّق عليه المشاركون في الموقع، هو استغلال الطفلة لتمرير هذه الألفاظ إلى إعلامية كانت تناقش قضية تهمنا جميعاً، بلا شك الطفلة لا تحمل في قلبها غلاً ولا كرهاً، بل إن هناك من دفعها للتلفظ بهذه الطريقة قام بتنفيذ جريمة مركبة، لأن استغلال الطفلة جريمة أخلاقية وتربيتها بهذه الطريقة جريمة أخلاقية أكبر، جريمة تتمثَّل بالحق الخاص للطفلة نفسها وهو تدمير أخلاقياتها، أما الحق العام فهو خروجها بهذه الألفاظ على الملأ، وإضافة مجرم لهذا المجتمع. إن ما حدث يفتح الباب إلى فوضى شرائح الهاتف التي تُباع في كل مكان دون اسم ولا هوية، إضافة إلى ضرورة ملاحقة أصحاب الاعتداءات التي تحدث في مثل هذه البرامج وتقديمهم للعدالة، فمن أَمِنَ العقوبة أساء الأدب، سواء في الفضائيات أو في مواقع الإنترنت والقائمة تطول، بعد هذه الإجراءات سنجد ضمانات للجميع وسيكون حينها لدينا حوار يبني الأجيال، لا تربية تهدمها بمباركة شرعية!
www.salmogren.net