طالب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمد الله في عمره ورزقه الصحة والسلامة وألبسه لباس العافية، طالب الخليجيون منتصف هذا الأسبوع بالانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد،، والصيغ المحتملة والممكنة لهذا اللون المتقدم من ألوان الوحدة في الفكر السياسي العالمي – كما يعلم أهل الاختصاص - ثلاث صيغ، تختلف فيما بينها في درجة قوة الارتباط بين الأجزاء المكونة للكيان الموحد، وفي آلية اتخاذ القرار، وفي توحيد السياسات و المواقف الخارجية خاصة التسليح والدفاع والأمن والتجارة والمال والنفط، وفي التماثل والتوافق التام في القوانين الداخلية التي تصل في النهاية إلى مواطنة خليجية واحدة، هذه الصيغ هي بإيجاز:
* أولاً: الوحدة الاندماجية وتعني هذه الصيغة قيام دولة واحدة تضم الأقطار الخليجية مع اختفاء جميع مظاهر التجزئة الإقليمية دون شروط أو حدود أو قيود، وهذه - في اعتقادي الشخصي- مرحلة متقدمة وهي في حكم المستحيل في الوقت الراهن بل وحتى في المستقبل المنظور .
* ثانياً: «الصيغة الاتحادية «الفدرالية» :وهي : نظام سياسي يحقق قيام اتحاد مركزي بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بحيث لا تكون الشخصية الدولية إلا للحكومة المركزية، مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد ببعض الاستقلال الداخلي، بينما تفقد كل منها مقومات سيادتها الخارجية التي تنفرد بها الحكومة الاتحادية، كعقد الاتفاقات والمعاهدات أو التمثيل السياسي، ويكون على رأس هذا الاتحاد «الفيدرالي» رئيساً واحداً للدولة هو الذي يمثلها في المحيط الدولي.. وتنشأ الدول الاتحادية في الأغلب بانضمام عدد من الدول أو الإمارات المستقلة تحت ضغط دولي أو عسكري أو بدافع سياسي، وقد يساعد على قيامها اشتراكها الديني و اللغوي والاجتماعي الشعبي والثقافي وغير ذلك من المقومات . وقد تنشأ الدولة الاتحادية بتفكك دولة موحدة إلى ولايات ذات استقلال داخلي تربطها حكومة مركزية، وهذه الصورة هي أيضا صعبة التطبيق اليوم مع أنها قد تكون أمنية وحلم يدغدغ المشاعر ويحرك العواطف لدى شريحة عريضة من الشعب الخليجي الشاعر بالخطر القادم من هنا وهناك والذي قد يعصف بالأخضر واليابس لا سمح الله، فالانسحاب الأمريكي من العراق أول هذا الأسبوع، والتهديد الإيراني الصريح والواضح، والوضع اليمني والسوري و...كلها أخطار جاثمة على الصدر الخليجي وإذا لم يستعد لمواجهتها بشكل جدي فقد يحصل مالا تحمد عقباه، وحين يقع الفأس بالرأس - كما يقال - لا يمكن الجلوس على طاولة مستديرة من أجل ضمان مستقبل الوطن الخليجي المستهدف والمحسود.
* ثالثاً: الصيغة التعاهدية «الكونفيدرالية» :وهي : نظام سياسي تدخل بمقتضاه دول الخليج في اتحاد شامل لغرض تحقيق مصالح مشتركة بينها، ويقوم الاتحاد التعاهدي على أساس معاهدة دولية ينصُّ فيها على الأغراض من قيام الاتحاد واختصاصاته ومدى سلطاته . وللاتحاد التعاهدي مجلس أعلى يتألف من ممثلين تختارهم دولهم .. ومع ما لهذه الهيئة المشتركة من أهمية سياسية إلا أنه ليس لها شخصية دولية تتمتع بحق التمثيل السياسي، وليس لها أية سلطة مباشرة على رعايا الدول الأعضاء، كما أنه ليس لها أية سلطة في تنفيذ قراراتها، إذ إن سلطتها مقصورة على رسم السياسة العامة وإصدار التوصيات للدول الأعضاء لتنفيذ القرارات على الوجه الذي تراه . والقرارات التي تصدرها هذه الهيئة تخضع لقاعدة الإجماع على وجه العموم، وهذا يعني أن الدول الأعضاء في اتحاد تعاهدي تظل تتمتع بشخصيتها الدولية كاملة، فلكل منها حق ممارسة التمثيل السياسي المستقل، وحق الانفراد بعقد المعاهدات الدولية، وتحتفظ كل دولة بنظامها السياسي وبدستورها المستقل، ولذا فهي أوهن صور الوحدة .. وهذه الصورة هي أكثر الصور ملائمة للتطبيق في الوقت الراهن حين قراءة الواقع الخليجي خاصة السياسي منه، على أن تكون مرحلة انتقالية للصورة الثانية والالتزام بها لمدة محددة،، وهي - في نظري - ليست بالصورة السيئة السلبية كما يعتقد البعض ولكن تجربة جامعة الدول العربية رسخت هذا الاعتقاد لدينا وللأسف الشديد.. ومع كل ما يقال من قبل السياسيين والمستشرفين للمستقبل الخليجي حيال الصورة الأنسب للتطبيق العاجل فإنني أعتقد ومن منظور سياسي صرف أن المسألة لا تتعلق بالشكل، وإنما تتصل بـ:
* المبادئ التي ينهض عليها الاتحاد.
* القائمين على شأن هذه الوحدة، العنصر البشري الذي هو قوام الأمر كله، الشعبي منه قبل الساسة والنخب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. ما مدى ما يتمتع به هذا العنصر الهام من إرادة ورغبة ومن تفانٍ وإخلاص من أجل إنجاح المشروع الوحدوي المنتظر .. أي قيادة بمفهوم القيادة الشامل والمتكامل هي التي ستتولى أمر الاتحاد الخليجي المأمول؟
* السياسة التي تلتزم بها تلك الدول التي تنشأ من هذه الصيغة الاتحادية أو تلك ؟
هذا هو المهم، أما الأعمال الإجرائية المتعلقة بالتنفيذ فهي تخضع للتجربة خطأً وصواباً، وهذا أمر يتصل بالإمكانات والظروف والملابسات..
ومن أجل أن نصبح رقماً صعباً في عالم لا يتعرف إلا باللاعب القوي فلا بد في هذا المنعطف التاريخي الخطير من:
* الجرأة في مواجهة التحديات.
* القرار السياسي الموحد والمرن و المدروس بالصيغة الخليجية لا القطرية فالخطأ اليوم لا يمكن أن يغفر وسينسحب على الجميع.
* التنسيق الحقيقي في المواقف الخارجية خاصة في التسلح و الدفاع والأمن وكذا التجارة والمال والنفط والموقف من الثورات والأحداث العالمية. ) توسيع فاعلية مؤسسات المجتمع المدني وذلك من أجل بناء الاتحاد من القاعدة إلى القمة، وحتى يكون الحضور الشعبي الخليجي ضاغطاً على النخب المتثاقلة حين التطبيق لسبب أو لآخر..
حفظ الله خليجنا.. دمتم ومن تحبون بخير.. وإلى لقاء.. والسلام.