كتبت هنا أكثر من مرة عن وجوب إنشاء هيئة أهلية للزكاة، وبرزت بعد ذلك الكثير من القضايا التي تصب في النهاية في مسألة الوعاء الزكوي، ومن أبرز ذلك قضية فرض زكاة على الأراضي البيضاء والتي ستحقق - أعني الفكرة - هدفين أساسيين الأول خفض قيمة الأرض السكنية وجعلها في متناول الكثير من المواطنين الذين لا يمكنهم في ظل هذا الوضع الاقتصادي (المتناقض) الحصول على أقل مساحة من أرض شبه الجزيرة العربية! والهدف الثاني أخذ حق مكتسب فرضه الله لشريحة من المجتمع حدده سبحانه وتعالى في الأصناف الثمانية المذكورة في كتابه العزيز.
وهيئة الزكاة المقترحة، هيئة أهلية تشرف عليها الدولة ولكنها تمارس عملها وفق آلية معينة تجعلها أكثر مرونة وأكثر تواصلاً مع المعطي والآخذ، فليست جمعية خيرية، وليست مؤسسة حكومية يعيق أداءها بيروقراطية المؤسسات الحكومية, فتحقق الإنجاز وفق معطيات حقيقية وليس وفق إيهام أصحاب الثروات والشركات التي تأكل أموال الفقراء والمساكين بالباطل والتظليل على مصلحة الزكاة التي تتعامل معهم وفق أرقام تقدم، ولا يعنيها من لا يتقدم لها من أصحاب الثروات الطائلة الذين يمثلون شريحة كبيرة جداً، بل إنهم أكثر عدداً وأكثر أموالاً من الشركات العملاقة.
هيئة الزكاة المقترحة سوف تتعامل من خلال هيئة شرعية واجتماعية تتواصل مع هؤلاء بشكل مباشر مما يمنحها ثقة المعطي الذي هو في الغالب يبحث عن الجهة الموثوقة التي توصل زكاة أمواله لمستحقيها الفعليين، وكرامة الآخذ الذي يغلب على أكثرهم عزة نفس تمنعهم من السؤال أو التقدم للجهات الخيرية، فيبيتون في همّ وغم وبؤس لا يعلمه إلا الله، وكثير منا يعرف بعضاً من هؤلاء.
الزكاة والفقر والثروات الكبيرة في أرضنا المباركة ودولتنا المباركة هي حديث أغلب مجالسنا ولكننا لا نخرج بنتيجة عملية تحقق ما نتطلع إليه من ترقية معيشية لشريحة كبيرة من مواطني بلادنا الغنية برجالها قبل ثرواتها، في شمال المملكة وجنوبها كما في شرقها وغربها ووسطها فقراء يجوز لنا أن نقول عنهم إنهم معدمون! وهم بالفعل معدمون فلماذا هذا الوضع؟ والدنا عبد الله بن عبد العزيز أجزم بل وأقسم بالله غير حانث أنه لو يعلم أنه فيه مواطن بات جائعاً لما أغمضت له عين بل سيكون الدمع المدرار لها مصاحباً حتى يصل إليه، نقول هذا لما نعرفه عن خادم الحرمين - حفظه الله ورعاه - من حرص شديد على كل مواطن في هذا الوطن.
إذاً أين الخلل؟ سؤال لا تستعصي الإجابة عليه، الخلل من عند أنفسنا، مواطنون يمارسون وظائفهم التي أوكلها لهم ولي الأمر بقليل من الاهتمام على أحسن الأحوال، فلا تصل الصورة الحقيقية لصانع القرار! هذا منبع المشكلة وسببها بكل بساطة.
لذا برزت فكرة الهيئة الأهلية للزكاة التي ناديت بها من هذا المنبر قبل أن يطرحها مجلس الشورى بسنوات، وعلى ذكر مجلس الشورى لم نسمع شيئاً عن هذا الأمر بعد طرحه تحت قبة المجلس!
إن المتوقع لو أقر إنشاء هيئة أهلية للزكاة أن تحقق نتائج مبهرة، وبإذن لله سيكون الفقر شيئاً من الماضي على أرض هذا الوطن المبارك, ولعل أول مواردها تقاضي زكاة الأرضي.
نأمل أن ترى هذه الهيئة النور قريباً وأن يعمل المخلصون في الدولة على تبني هذه الفكرة والسعي لإنجازها.
والله المستعان
almajd858@hotmail.com