Tuesday 20/12/2011/2011 Issue 14327

 14327 الثلاثاء 25 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كثُر الكلام عن السِّحر بشكل ملفت للنظر هذه الأيام، سحر الشغالات، سحر الزوجات، سحر السحر، وسحر من يفكُّون السحر، حتى سمعنا مؤخراً بسحر بعض المتعلمين والمسئولين، بعضهم من أهل سمات الصلاح، الذين تلبّسهم إبليس والعياذ بالله ودفعهم مسحورين إمّا لسرقة الأموال العامة، أو لإصدار صكوك أراض شيطانية، أو للرقية الشرعية بأساليب غريزية هي من أساليب إبليس المدحور والعياذ بالله.

ولذلك فالناس تتناصح فيما بينها بضرورة التحصُّن من إبليس قبل التفكير في السعي لرقية تفك سحر الشيطان. وبما أنّ السحر يقع في عوالم غير محسوسة، عوالم فوق طبيعية تغيَر فيها قوى غير منظورة أحوالاً مادية منظورة، فيمكن القول إنّ للسحر عالمين مترابطين أحدهما محسوس والآخر غير محسوس، فالمحسوس يثير الدهشة وغير المحسوس يثير الخيال، ولذلك ارتبط السحر بكل ما يفاجئ الإنسان ويدهشه ولا يجد له تفسيراً. وترتبط قصص السحر في معظم الأحيان بوجدان الإنسان وعواطفه وغرائزه القوية التي تتشابك بقوة مع مخيلته وقد تشل قدراته العقلية. وقد وصف العرب أعلى درجات الفتنة على أنها سحرٌ. وعندما يضعف الإنسان بشدة أمام رغباته بدرجة تسيطر عليه تكون رغباته قد سحرته.

وقد ورد السحر في الكتب السماوية مما يدحض الحجة بعدم تصديق وجوده، ولكن التصديق بالسحر لأنه ورد في الكتب السماوية، أصبح ثغرة يلج منها تصديق جوانب منه قد تكون بها إسقاطات غريبة عليه. فالمعروف أنّ الإنسان لا يرى العالم الخارجي من حواسه فقط، بل يراه من الداخل أيضاً، لأنّ عقله هو ما يفسّر له تلك الإشارات والمؤثرات الخارجية التي تمطر بها حواسه عقله وتصوّراته، والكم الهائل من التجارب التي يمر بها الإنسان، أو قد يسمعها أو يتخيّلها تؤثر على تفاعله مع تجاربه الجديدة وتفسرها له، فمن قليل السحر اجترع كثيره. ويتناسب الاستعداد لتصديق السحر والشعوذة تناسباً عكسياً مع مستوى الفرد العلمي، وكذلك مع التقدم العلمي للبشرية كافة. فاكتشاف الكهرباء ضيّق عوالم الجن بإضاءتها، لأنّ الجن يفضلون الزوايا المعتمة سواء في الطبيعة أو في عقل الإنسان.

وللسحر عالم سحري خاص به، عالم غير محدود مادياً أو مكانياً، عالم ينقل الفرد إلى عالم غير محدود من خيالاته الداخلية، وهو من الأمور التي لا يمكن أن تفسّر إلاّ بذاتها، فكما يقال لا يفسّر السحر إلاّ بالسحر، ولا يفك السحر إلاّ ساحر. وهنا سأسوق للقارئ الكريم حكاية واقعية لزميل لي، جمع الله له نصيباً كبيراً من العلم والخير، قصة تبيِّن على أنّ الاستعداد للتصديق بالسحر يتصاعد بوتيرة سريعة في مجتمعنا. يقول هذا الصديق اشتريت قبل عشرة أعوام وما يزيد بيتاً في أحد أحياء الرياض المطلة على واد وفي منطقة مفتوحة، فاشتكت أسرتي من انتشار القوارص والأبارص في هذا المنزل، فلجأت إلى شركة مختصة لعلها تبعد أذى هذه المخلوقات التي شاركتني منزلي، فحصلت من الشركة على عشرة كيلوات من المضادات الحشرية التي تطرد هذه القوارض بالرائحة، ونصحت الشركة بتوزيعها بكميات قليلة في النوافذ والمداخل. وبما أنّ الكميات كبيرة فقد قسّمناها في صرر صغيرة من قماش قصصناه من غتر قديمة تم ربطها بشكل أنيق، وكانت هذه المادة بلورية على شكل كرات، وكان لها مفعول سحري فيما جلبت لأجله، إلاّ أنها بدأت تتلوّن مع مرور الوقت بألوان مختلفة، ونسينا بعد وقت طويل أمرها، وبقيت في مكانها.

وقبل فترة وجيزة تم بيع البيت لصديق يهدف لاستثماره، وفوجئت بعد ذلك باتصال من هذا الصديق يطلب لقائي لأمر خطير فقلت لنفسي لعلّ في الأمر خيراً. وعند مقابلته وهو رجل متعلم محترم، قال لي يا فلان إنّ بيتك فيه سحر كبير وعظيم، وأخشى عليكم ومن سيسكنه من هذا السحر، وكان هذا الرجل يتكلم بثقة تامة وانفعال واضح، ثقة من يعرفون السحر ويخبرونه. فقرأت المعوذات وما تيسّر من القرآن، وطلبت منه التوضيح. فما كان منه إلاّ أن أخرج مجموعة من صرر المبيد الحشري التي سبق ووضعناها عند النوافذ، وقال لي هذا العمل معمول لكم في البيت ووجدناه في كل زاوية منه. فمتُّ من الضحك وقلت له هذا سحرنا نحن وضعناه حتى نسحر ونطرد الأبارص عن منزلنا. وعندئذ انبسطت أسارير الرجل وعرف أنّ البيت آمن وأن لا جنّ في البيت ولا في الوادي المجاور. وهناك قصص كثيرة مثل هذه، منها امرأة كادت تفقد صوابها عندما رأت في الظلام قطة دخلت البيت خلسة تبحث عن مكان تلد فيه فأدخلت نفسها في غطاء سرير أبيض لم تستطع الخروج منها فانتابها الخوف من دخول المرأة وأخذت تتحرك بشكل سريع عشوائي داخل الغطاء فتخيلتها المرأة عفريتاً.

وللكاتب قصة مقابلة مع من يعتبره البعض أعظم وأعتى ساحر في الهلال الخصيب، شخص منحه أحد الحكام العرب قصراً جميلاً في مزرعة كبيرة، ومنحته المخابرات السورية لوحة سيارة خاصة للتنقل بين لبنان وسوريا للدور المهم الذي يلعبه سحره في عملهم الاستخباراتي. كان يجلس تحت جدار معلّق عليه سيف طويل كتب تحته البتار، وصورة كبيرة تبدو أنها لما يتخيّلون أنه صورة الإمام علي كرّم الله وجهه، وبعض الأشياء الأخرى من مطلسمات ومستلزمات الشعوذة، وتخويف الناس. فبادر هذا الساحر النحرير بأسئلة خاصة جداً للكاتب لا يمكن ذكرها في هذا المقام لأنها تتعلّق بكل ما هو خاص جداً و يخدش الحياء، وبدأ وكأنه يتكلم من مصدر قوة كبيرة لضحية مستضعفة مستسلمة أمامه. وبما أني لا أشكو ولله الحمد والمنّة من شيء، وهو يتخيّل أني ما قدمت إلاّ للعلاج من الأمر ما حار فيه الأطباء، فقد فاجأته بتوجيه أسئلته له هو، وبردّ بضاعته له، فقلت له إذا أجبنتني أنت على أسئلتك بتوجيهها لنفسك، أجبتك. وهنا ارتجف الرجل وانتصب وكأنما مسّه مس حقيقي من الشيطان والعياذ بالله، وقال غاضباً: أأنت المريض أم أنا؟ فأجبته أني مريض بحب الاستطلاع فقط، ولذا قمت بزيارته! وكنت مدركاً أنّ جميع المشعوذين يبادرون لسؤال مثل هذه الأسئلة الخاصة جداً لأسباب عدة تصب في خانة السيطرة على الشخص الذي أمامهم؛ فهي أولاً تجس نبض الضحية ومدى استعداده للتجاوب والتأثر، وثانياً تجعله ضعيفاً بلا خصوصية أمام شخص غريب يتعرّف عليه لأول مرة، وهي في النهاية تمهد الطريق لسيطرة أكبر بجعله أكثر تجاوباً وتصديقاً واستسلاماً، وعندئذ يمكن دفعه لتصديق كل ما يروى له من خزعبلات ونصائح مغرضة، وهنا تنفتح كافة السبل لجيبه وجسده. وفي النهاية وجدت نفسي أضحك لا شعورياً أمام ارتباكه، وقلت له أنا لا أشكو من شيء وكان قدومي لك مجرّد رفقة طريق. فردّ عليّ أنّ مرضي عضال، وشيطاني من مرتبة عالية، وسحري قوي، وأني إذا رجعت لن يعالجني، وكان هذا الكلام قبل تسع سنوات.

هناك مئات القصص من هذا النوع، فعندما يتعلق الأمر بالماورائيات فالمجال واسع للتخيل والغش والدجل والشعوذة، ولا يمكن في هذا المجال أن نستعين بهيئة المواصفات والمقاييس، لأنه لو كان ذلك ممكناً سيكون في تحديد مواصفات السحر والرقية فائدة كبيرة للمستهلكين، والمنتجين على حد سواء، وأنا على يقين من أن المستضعفين من الأفارقة والإندونيسيين سيرحبون بذلك أيما ترحيب. فعندما يَدعي أحدهم أنه ساحر أو مسحور فإنك لا تستطيع إثبات ذلك لا له ولا عليه، وقد عرف المفكرون منذ زمن طويل المعضلة الوجودية لما لا يمكن نفيه أو إثباته في عالم اللا محسوس مما لا شكل مادياً له ولا مساحة مكانية وجودية يحتلها. فالفرد يصادف رقعة، أو خرقة، أو صراراً، أو حتى رسومات وطلسمات قد لا تحتوي بالضرورة على أمور خارقة للعادة، ورغم ذلك يسارع بتصديق سحريتها دونما سعي للتأكد من الرابط بينهما. ولذلك أقترح كعلاج أنه عندما يسرق أحد مالاً عاماً، أو يرتكب مخالفة شرعية بسبب شيطان تلبّسه أن يجلد الشيطان بداخله حتى يستوفي الشيطان عقوبته، لأنّ جسد هذا الرجل إنما أصبح سكناً للشيطان ولا بد من أن يخرب بيت الشيطان. والله من وراء القصد.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

إنّ من التبيان لسحرا
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة