بكل المقاييس تُعَدّ قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الثانية والثلاثون من أهم القمم التي يعقدها القادة منذ إقامة المجلس عبر أكثر من ثلاثة عقود؛ كون المنطقة العربية، التي يُعَدّ الإقليمي الخليجي أحد أهم مكوناتها، تتعرض لتحولات وتغيرات، ليس فقط بسبب ما يُسمَّى بـ(الربيع العربي) بل أيضاً لحجم مخاطر التدخل الإقليمي والدولي، التي تلقي بظلالها بشدة، وتهدد بإحداث تحولات كبرى. وكون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأكثر استقراراً وتماسكاً فإنها أصبحت مقصداً للدول العربية لقيادة العمل العربي المشترك، والحفاظ على الهوية العربية، وتحصين الكيانات العربية من اختراقات القوى الإقليمية والدولية، التي زادت من تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية.
تعاظم دور الدبلوماسية لدول الخليج العربية حمَّلها مسؤولية قيادة العمل العربي الوقائي. وقد برزت أدوار مهمة للدبلوماسية الخليجية العربية، وتمكنت من تحقيق نجاحات في اليمن وفي ليبيا، وتلعب دوراً مهماً في معالجة الأزمة السورية، كما أنها مرشحة للاضطلاع بدور أساسي في معالجة أوضاع دول عربية أخرى، التي لا تزال تعاني تدهور الأوضاع بسبب تداعيات التغيير التي أوجدتها مرحلة الربيع العربي.
وهكذا، فإن اجتماعات القمة لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تجاوزت مرحلة الاحتفاء بمجرد استمرارية لقاءات القادة؛ فمرحلة الاحتفاء باللقاءات - بالرغم من أهميتها، وما تمثله من تبادل للأفكار وتعميق التواصل والتفاهم والتنسيق ما بين القادة - قد تعدتها طموحات القادة وتطلعات الشعب العربي في الخليج؛ حيث يعدون هذه اللقاءات موسماً للحصاد وجني ثمار ما زرعه القادة من مشروعات مشتركة تؤسس للوصول إلى التكامل المنشود في جميع المجالات، والبناء على ما تحقق لتعزيز النجاحات، سواء في زيادة تأثير وإسهامات دول المجلس بتحصين الأمن العربي، وتعزيز سياسات الحكمة والواقعية والحكم الرشيد في باقي الدول العربية، والسير قدماً في تحقيق التطور والنمو عبر تعزيز مسيرة التنمية المستدامة في جميع دول المجلس، والتحول إلى جعل الإقليم كتلة اقتصادية واحدة، ضمن كيان سياسي موحَّد، يحفظ لكل دولة خصائصها وسماتها الخاصة.