يأتي انعقاد مؤتمر القمة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظروف بالغة التعقيد والتطوُّرات الخطيرة في المنطقة العربية كلها، فقد شهد هذا العام الذي لم يبق لنا منه سوى الثلث الأخير من شهره الأخير، زلازل عاصفة وتطوّرات متلاحقة هزّت بعض العروش وأنهت بعض الأنظمة ومزقت بعض الدول، بينما كانت دول مجلس التعاون هي الوحيدة بين الدول العربية التي ران على مشهدها وأوضاعها الهدوء والسكينة باستثناء التدخل الإيراني، وما أسفر عنه في مملكة البحرين الشقيقة من تخطيط فاشل لخلط الأوراق وإثارة الفتنة هناك.
***
كان هذا العام عاصفاً بأكثر مما كنا نتوقعه أو ننتظره على مستوى دول العالم ومؤسساتها وأفرادها، فقد تحول السودان إلى دولتين شمالية وجنوبية، وسقطت الأنظمة في كل من تونس وليبيا في المغرب العربي لتهب بآلياتها وأفكارها و(سيناريوهاتها) إلى المشرق العربي، فتسقط نظام حسني مبارك في جمهورية مصر العربية ونظام علي عبدالله صالح في الجمهورية العربية اليمنية، ويبقى استمرار المعركة الدموية الطاحنة والشرسة في الجمهورية العربية السورية بين النظام والشعب إلى حين.
***
ويأتي انعقاد القمة الخليجية اليوم في مدينة الرياض، فيما تلملم القوات الأمريكية بقية معداتها وأجهزتها وترسانة أسلحتها ورجالاتها في العراق، استعداداً للرحيل النهائي خلال الأيام العشرة القادمة، منهية بذلك غزوها واحتلالها للعراق الشقيق، بعد أن هيأته لإيران ليكون قوة عسكرية ومذهبية وإستراتيجية مضافة لقدراتها التي تحولت منذ الغزو الأمريكي إياه بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة ضاربة في المنطقة، تلوّح من خلالها بالتهديد والوعيد والتدخل السافر في شؤون دول المنطقة، كما حدث في البحرين دون أن ينالها ما ناله غيرها من عقاب.
***
وهكذا يأتي انعقاد القمة الخليجية في ظل أجواء عربية مشحونة بالتطورات والمتغيرات، بما يلقي على المجلس ظلالاً من المسؤولية التي تنوء بحملها الجبال، حيث الخلافات العربية - العربية التي لا تساعد هذه القمة على احتواء كل مشاكل الدول العربية الشقيقة، ومعالجتها على النحو الذي ينهي هذا التشرذم والصراعات فيما بينها، ومن ثم خلق الأجواء الأخوية المناسبة التي تفضي إلى قيام أنظمة جديدة لا تحكم بالحديد والنار، وإنما تصغي لمطالب شعوبها، بما في ذلك القضاء على الفساد، واحترام حقوق الإنسان، مستفيدة بذلك من التجربة الخليجية الأكثر تميزاً بين الأنظمة العربية.
***
غير أن التفاؤل يبقى حاضراً، فهذه القمة الخليجية تعقد في عاصمة المملكة العربية السعودية، ومدينة الرياض هي بيت العرب وقِبلة الساعين من العرب وليس الخليجيين فقط إلى معالجة أوضاعهم، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو صاحب المبادرات الحكيمة في معالجة الأوضاع العربية عند تأزُّمها والأب الروحي لكل العرب، ومعه أشقاؤه أصحاب الجلالة والسمو حكام دول المجلس بصدقهم وإخلاصهم ومحبتهم ورغبتهم في استثمار هذه التطورات في دولنا العربية استثماراً إيجابياً يحقق الخير لشعوب هذه الدول.
***
إننا - ومثلما عوّدتنا القمم السابقة - سنكون على موعد - إن شاء الله - مع قرارات تاريخية تليق بالمكان والزمان، وتتناغم مع التطورات والمستجدات في عالمنا العربي، فزعماء الخليج هم دائماً صمام الأمان، وهم الملجأ بعد الله في تحويل هذه السحابة التي مرت وتمر ببعض دولنا العربية، بما يجعلها سحابة أمل نحو مستقبل مشرق وزاهر، وحياة حرة كريمة لشعوب عانت طويلاً وكثيراً، بما لا مجال فيه لمزيد من الوقت كي تبقى في سجونها مسلوبة الإرادة الحرة الكريمة التي هي حق لكل الشعوب والأمم، بما فيها دولنا العربية التي لا يمكن أن تكون استثناءً في ذلك.