الأصل في نظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية أنه أسلوب تكافلي واستثماري في نفس الوقت، إذْ إنّ المستفيدين من النظامين يدفعون أقساطاً شهرية، تتشارك معهم مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، في دفع نسب محدّدة تستثمر إيراداتها مؤسَّستا «التقاعد والتأمينات»، لتوفير رواتب تقاعدية تُدفع للمستفيدين.
هذان النظامان إذا حظيا بالتوظيف الأمثل للأموال التي توفِّرها الأقساط التي يدفعها المستثمرون، والإدارة الجيدة للأموال التي تُعَدُّ كبيرة، فإنّ المردود الاستثماري سيغطي مصاريف دفع الرواتب للمستحقين، هذا في السياق العام، إلاّ أنّ الراتب التقاعدي المخصَّص للمستفيد عُرضة للتآكل وفقدان قيمته، بسبب عوامل التضخُّم والارتفاع المتزايد لتكاليف المعيشة، واللتين تفرضان رفع مستويات هذه الرواتب، مما يتسبّب في تحميل مؤسَّستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية أعباءً مالية إضافية، قد لا تغطِّيها أقساط المشتركين وريع الاستثمارات، وهنا يأتي دور الدولة في دعم ومساعدة هاتين المؤسَّستين لتمكينهما من أداء دورهما، على أن تحذوا حذو أجهزة الدولة التي ترفع مخصَّصات ورواتب منتسبيها، وإلا سيصيب المؤسستين ما أصاب المؤسَّسات التكافلية الأخرى في بلدان أخرى، مما أدى إلى زيادة المصاريف وارتفاع الرواتب ونتج عن ذلك عجز صناديق التقاعد الإيفاء بدورها والتزاماتها.
وهنا في المملكة العربية السعودية، ولأنّ الدولة رعوية تقدِّم المساعدة لمواطنيها في مختلف المجالات، وأنّ استثمارات مؤسَّستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية استثمارات ناجحة، في ظل إدارة ناجحة لأموال المشتركين تجعل مبالغ أقساطهم في ازدياد، فإنه وفي المديَيْن القصير والمتوسط، لا خوف من تعثُّر استفادة المشتركين في نظاميْ التقاعد والتأمينات الاجتماعية، كما أنه لا يجوز حرمان هؤلاء المشتركين من الامتيازات والخصائص التي يوفِّرها النظام التكافلي الذي تعمل به المؤسَّستان، لأنه بكلِّ بساطة حقٌّ مكتسب كونهم دفعوا أقساطاً وفق النظام، وأنّ الأموال التي دفعوها تُستثمر وتدرُّ ريعاً جيداً، ولهذا فإنّ ما صدر من مجلس الشورى من توصية بضرورة صرف الزوجين العاملين مستحقاتهما التقاعدية في حياتهما وبعد مماتهما، كما ينصُّ عليه قانون التقاعد، واستمرار صرف معاش الذكور إلى 26 عاماً، توصية منطقيّة وتتوافق مع نهج التكافل الذي يسير عليه نظاما التقاعد والتأمينات الاجتماعية.