سعت أمريكا إلى خلق عراق جديد، يبدأ بإسقاط صدام حسين، والذي كان قد كتب نهايته مبكراً عند احتلاله الكويت، راحت واشنطن تروّج لنموذج عراقي يكون بمثابة الجذب لمنطقة الشرق الأوسط الجديدة، والحقيقية أنّ الولايات المتحدة نجحت في إسقاط صدام حسين، لكنها فشلت في كل ما بعد ذلك من تفاصيل.
فالعراق كما نعرفه اليوم بين فساد تدور حكايته بشكل ملفت جداّ في أحاديث المسؤولين والإعلاميين بشكل يرسم سلسلة من الاتهامات التي لا تتوقف بمليارات الدولارات، فساد لا يمكن لمراقب إلاّ أن يشم رائحته في كل مكان تقريباّ، وهو ما يفسّر مستويات التنمية المتدنية والضعف الهائل للبنية التحتية. يقابله نفوذ إيراني قوي في مكوّنات المنظومة السياسية والأمنية العراقية.
لكن ذلك ليس كل شيء، بعد نحو تسع سنوات من الغزو الذي قادته أمريكا وفقد بسببه نحو 4500 جندي أمريكي ومئات الآلاف من العراقيين أرواحهم، تنسحب القوات الأمريكية، وتترك وراءها بلداً يواجه تحديات حقيقية. انسحاب يترك العراق في مواجهة سياسية هشة واقتصاد يعتمد على آبار النفط المتفرقة بين المحافظات، ومستويات معيشية هائلة التفاوت، وخدمات متعثّرة بدءاً من كهرباء متقطعة، ووسائل نقل متواضعة، ودائماً الفساد.
وضع مقلق بحق، في بلد مفتوح للنفوذ الإيراني من جهة، والأزمة السورية على حدوده من جهة أخرى، هناك أيضاً صورة غامضة لتنظيم القاعدة وهل سيعود؟، كما لا يمكن إهمال الصراع بين الأكراد في كردستان مع الحكومة العراقية المركزية. وهل بالفعل توقفت حوادث القتل الطائفية الثأرية بين السنة والشيعة؟.
ويمكن الإشارة بكل هدوء الآن إلى أن أمريكا تترك العراق في أسوأ وضع تواجهه دولة استعمرت - ولو لبعض الوقت - في التاريخ العربي الحديث على الأقل.
وهكذا فقد فشل النموذج الأمريكي المبتغى في العراق، وأخفق في تحقيق أقل حد أدنى للمواطن العراقي، ليأتي الربيع العربي ذاتياً من الطرف الآخر كلما اقتربنا من المحيط، حيث نجاح انتخابات المغرب والتحوُّل الدستوري، ومع التحوُّل السلمي الباهي في تونس، فيما نراقب جيداً انتخابات مصر وهي تسير بشكل جيد، ونتابع حكومة ليبيا كنتاج لثوراتها الربيعية التي بدأت في التحرك.
المشهد التونسي حافل ومهم وملفت وعاطفي أيضاً، ومشهد اختيار منصف المرزوقي كرئيس للجمهورية بعث الأمل مع أول نتائج ربيعنا، الذي يشوّهه على الطرف الآخر صوت غبار الدبابات الأمريكية، وهي تغادر العراق بعد تسع سنوات من الضجيج والموت، معلنة اكتمال المهمة المستحيلة.. لكننا لم نفهم أي مهمة.. أو كيف سيكون العراق الجديد؟.