قال أبوعبدالرحمن: إنني أمام فيضٍ ثرٍّ من شعر معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة، وأمام دراساتٍ كثيرةٍ لشعره في كتبٍ بأقلام غير سعودية، ولا أحب أن أتناول الشعر ودراساته بلفتات سطحية، وليس لديَّ من النشاط ما أُنهي به طموحي في شهر أو شهرين؛ لهذا آثرت أن أتناول موضوعي على مهل، وأن أُفاتح قرائي في الشهر بدراستين مطوَّلتين أو دراسة مطولة، وآثرت أن تكون البداية عن عقوق الناقد السعودي، ويتلو ذلك ملامساتٌ لقصيدة أسفار الرؤيا؛ لأنها من أمْيَز شعره.
والدكتور يدور عقرب شعره على الحبِّ الأرضي، وعلى الحب على مذهب أصحاب الطريقة، ولم أرَ غُلُوَّاً ولا ابتداعاً وإن أبديتُ بعض المرات ملاحظات طفيفة؛ لالتماس الأصح والأرجح.. والشعراء المتيَّمون يبدوعليهم نحول، ويطفومن طفْح مشاعرهم ما لا يَودُّونه شعراً ونثراً؛ لأن العواطف تغلب العقل أحياناً.. ثم إن ليلاهم واحدة، وما قلتُ ذلك إلا عن تجرِبة؛ فمنذ رحلتُ من مدينتي شقراء، وأشرفتُ على عوالم خارج المملكة، وبُليتُ بصحبة الظرفاء، ورأيت ما لم أره في الحسيني وباب العقدة وشَدْحة: فاضتْ مشاعري بما يُستحيا منه، وتشاعرتُ وما كنت شاعراً في البداية، ولكنني كتبتُ برموش الأهداب إيقاعاتٍ لذيذةً أجمل من الشعر، ثم هداني ربي إلى حسن اختيار شريكة الحياة؛ فانسلخ من قلبي كلُّ ما بليتُ به من هيام، ولكنني بالعشق الأدبي يغلبني الترنُّم أحياناً بمرقِّصات القلوب ولوكنت آوياً إلى فراشي قبل وِرْدي.. وقبل الحديث عن أسفار الرؤيا أذكر إجمالاً أن في ديوان الدكتور الكبير عن أبعاد المنتهى لوعات من الضنى، وهناك لوحات مُعَبِّرة، ولكنَّ كثيراً منها يجعل القارئ في تعطُّشٍ إلى امتداد إشعاعها؛ فلا يجد؛ فيعود إلى التسلِّي باللوحة الأم.
قال أبوعبدالرحمن: كانت قراءتي لدواوين الدكتور عبدالعزيز خوجة قراءة دقيقة لا تصفُّحاً، ومن ثَمَّ وجدتُ الإضاءات الجميلة تأتي لفتةً في البيت والبيتين، وهي لفتات واعدة يتوقَّع منها القارئ خيوطاً فضية وإشعاعات يترقرق منها لمحات فكرية بعنصر الخيال، وإشارات عاطفية إن لم توجد عند المرسِل وجدت عند المتلقِّي كما في مرثية المتنبي لأخت سيف الدولة، فقد أثار عواطف المتلقِّين ولم يتقرَّح منه جفن؛ لأن الجمال الفني يثير المشاعر ولا يُشترط أن يصدر الجمال عن معاناة عاطفية، بل يكفي أن يدبَّ إلى القلوب الكَلِيمة دبيب النعاس؛ ولهذا أعتب ألف مرة على معالي الدكتور إذا فاتحنا بمثل هذه الإضاءات ثم لم نجد وراءها ما تقتضيه من امتداد إيقاعي وتوثُّبات جماليَّة كما في قوله:
[ تارةً قطرةٌ من مطرٍ.
تَارةً كوكبٌ في الدُّجى.
تَارةً شَهْقةٌ في وَتَرْ ].
فهذه ثلاثُ لفتاتٍ فنية كل لفتةٍ تقتضي ذيولاً تربط بين زخَّات المطر وما في سياقها مما هومن إثارة المحظوظة، وقل مثل ذلك عن الشطرين الآخرين، وفي قصيدةٍ أخرى نجد:
كـلمـا أطــفـأتُ نــاراً ثــار
(م) في الأضلع إعصـارٌ ورعـدُ
ثم بعده بأبيات:
كـل هـذا الكـون فـي عينـيك
(م) حسـنٌ وبنفسـي يسـتبـدُّ
فهذان البيتان الجميلان عنوانان لشيئ لم يأت بعد، وأعني بالشيئ ما يتناسق بين هذين البيتين في المستوى الفني، ومثل هذه الإضاءة قوله:
يتسربل المعنى
بأقنعة الحروف
فهذا تعبيرٌ جميلٌ عن المعنى تُحيط به حروفه بصمت، أو بِمِقْولٍ خجول، ولكنه يتلعثم في هيجان المشاعر، وكثيراً ما يعتذر المُتيَّمون بمثل قولهم: (حُسْنٌ يعجز عنه التعبير)؛ فهذا يقتضي أكثر من بثٍّ وجدانيٍّ، بل يفتح للبثِّ آفاقاً، على أن الدكتور طعَّمنا ببعض بثٍّ جميلٍ في قوله:
كأنها ما بين آهاتي
(م) وأرصــفة الغــيــوب
قوسٌ من الأحلام بعثــرني
(م) على أفق التـجـلي
ومثل ذلك قوله:
[ رحلتْ موجةً ثم عادت مطرْ.
هي ذاك الذي سكنت في الزَّهَرْ ].
إنها صورة جميلة خلابة واعدة بشيئ لم نجده من البثِّ الوجدانيِّ الذي ينبثق عن هذه الصورة، ولعل معالي الدكتور لِطِيبته لم يمارس حِيَل الشعراء الفحول في المشاغبة والاحتيال؛ فأبوالطيب المتنبي مثلاً أمير الشعراء بلا اختلاف من أحد، ولكنه قُبيل ساعة ميلاده العصماءَ إذا لم تكن القصيدة عفوية ارتجالية فإنه يُضيف إلى مأثوره الشعري الذي يحفظه قراءاتٍ جديدةً لمن قبله كأبي تمام والبحتري وأبي نواس وغيره؛ ليرتِّب في ذاكرته ما يليق بغَرَضه، ثم يكون بعد ذلك مشاغباً بصُوَرٍ من الأخذ اللذيذ التي كتبها النقاد القدماء.. ومن أوجه الحيل والمشاغبة أن ينقل المعنى أو الصورة إلى موضوعٍ آخر لدلالةٍ أخرى، أوليبدع من المعاني والصور ألَقَاً فنيا ًمستقِلاً، أويُعاكس الصورة والمعنى بنقيضهما.. وليس ما قلتُ عن المتنبي نقلاً عن أحد، ولا عن معايشة له وبيني وبينه مئة عام وألف عام ونيِّف، ولكنه استنباط من شعره، ولا سيما عشرات الأبيات التي التفت شراح الديوان ونُقَّاد أبو[الرفع على الحكاية] الطيب في كتبٍ مستقلة إلى أصولها؛ وشعرنا الحداثي بحاجةٍ ماسة إلى هذه الوسيلة في الاحتيال والمشاغبة.. ثم تتفجَّر الموهبة عن ثراءٍ في الذاكرة أثرى بدوره العمل العقلي، وأرهف الحس الجمالي، وإذن فلا بد أن تفوق ثقافةُ الشاعر ثقافةَ الناقد.. وإذا قارنْتَ بين شعر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وجدتَ الأخير على سجيَّته إلا ما هو من الثقافة المشتركة لا من المعاني والصور والأخيلة اليتيمة، وهكذا الجواهري في شعره الهادر.. بينما الشاعر أحمد شوقي جمع بين ذلك وبين الإفادة من التراث الإنساني عربيِّه وخواجيِّه.. والشعراء الوجدانيون على ملاحة شعرهم ولذاذة إيقاعهم تجردوا من الاتِّخام الثقافي، وانطلقوا على سجيتهم عَفْوَ الخاطر؛ فالعباس بن الأحنف والشريف الرضي ومهيار الديلمي وابن هاني وعلي محمود طه كانوا على هذا المنهج إلا ابن هانئ لم يكن وجدانياً، ولكنْ لِنقص ثقافته قيل عنه: (أَسْمَعُ جَعْجَعَةً، ولا أَجِدُ طِحْناً).. والشاعر عبدالعزيز خوجة وجدانيٌّ خالصٌ اكتفى بعفوية الخاطر؛ لهذا كانت هذه الإضاءات التي لم يَمدَّ ذيولها بالإشعاع، ولا ريب أن المأثور الشعري في الذاكرة يُفتِّق إبداعاً جديدا ًللمشاعر العاطفية والخيال المدوِّي؛ فلكل فنٍّ أساس، والمأثور الشعري الإنساني بتقليب وجوهه هوذخيرة الموهبة، وليس هذا على مبدإ عنترة في قوله (هل غادر الشعراء من متردّم.. إلخ)، فلا أعني أن الشاعر يكرِّر المأثور، ولكنه يغذِّي بمأثوره موهبتَه؛ فتتراقص في مخيلته كل عناصر الجمال الفني، ومن إشارات الدكتور تلك الإضاءة:
[ أسمعت صوتَ الحُبِّ يهتفُ أنَّنا.
في الكون أُغنِيتان ترتحلان مِنْ آهٍ وآهْ.
وصدى هَوانا في رُؤاهُ يضيئُ منْ وهجٍ سماه.
ضُمِّي إلى أفيائِكِ العُليا ذُراهُ لعلها تخْضرُّ من قربٍ ذُراه.
إني وهبتُ جناحهُ وحَنانَهُ وجنونه وجميع ما تتلو الشِّفاه.
وهتفتُ إني عاشقٌ ومُتَيَّمٌ.. هذا الهوى المجنونُ لا ندري مداه ].
قال أبوعبدالرحمن: هذه الأسطر الشعرية مقدمة فنية لحبٍّ فريدٍ يتلهف القارئ إلى لمساتٍ إيحائيَّة عن كُنْهه؛ فيمدُّ خيوطها عناصر يمتزج فيها وهج العاطفة وتدويم أوتحليق الخيال.. ولكن شاعرنا أسلمنا لهذه المقدمة الفنية وحسب، وإني أرى أن قَوْل معاليه:
لكِ الحـبُّ يســمــو بـالمنـى
ولـي مـن ليـاليــه انتـظـار
لوكانت له أمثال بعد تلك المقدمة لكان مندرجاً من خيوطها ومن اللفتات اليتيمة قوله:
بحـرُ عيـنـيكِ دعــانـا موجـهُ
كلُّ من يدعـوه يشـتاقُ الغـرقْ
وههنا خمسة أبيات يظن من يقرأها أنها من باب القنوع التي يلتقطها المؤلفون في الحب، وعندي أنها تكريس للهوى بالتشويق إلى كَرعاتٍ شهيَّةٍ وإن كانت قصيرة، ولكنها بمجموعها تؤجِّجُ جذوةَ الحب على الدوام؛ وذلك قوله:
اذكرينـي مثــلَ حــلمٍ عـابـرِ
طاف يوماً وانتهى فـي الخاطـرِ
اذكرينــي مثـل فــوحٍ للشـذى
حين يجـري في النسـيم العـاطرِ
اذكرينـي مثـل عصفـور الرُّبـى
كـان يومـاً في حـماكِ السـاحرِ
واعذريـهِ طـبْعُـه حـُرُّ الهـوى
وحِماهُ كلُّ روضٍ زاهرِ
وابسـمي لا تلعـني حُـرِّيَّتــي
فغـداً أصـبـــو لقـيـدٍ آخـرِ
قال أبوعبدالرحمن: لوقال: (لا تسأمي)؛ لكان أجمل، ويدخل في تلك المقدمة الفنية لوساعف السياق قوله:
[ عيناك فيها هجرتي من عَالمِ الخواء.
في سرّهما يَحْلو السفرْ.
فيسكر النشيد بالحِداءْ.
وينتشي الوترْ ].
قال أبوعبدالرحمن: في بداية تكويني حياتي بمدينة الرياض عندما انتقلت إليها: كنتُ على صلة دائمة بعدد من صعاليك الأدب، وفيهم صديق كثير المجاملة إلى حدٍّ يتجاوز معنى المجاملة المشكورة، وصدر يومها دويوين عن همسات الليل، وكان صاحب الدويوين ذا فضلٍ كريمِ الأخلاق، وتُوُفِّيا معاً رحمهما الله تعالى، ولم يكن في الدويوين رائحة من الشعر، فكتب له مقدمة لم تصنع حبة من القبة، ولكنها صنعت قبة ضخمة من لا شيئ، وكنت يومها لا أَبْعُدُ عن المجاملات وقتَ الحاجة، وقد ألحَّ عليَّ أن أكتب عنه دراسة تنشر في الصحف؛ فتحمَّستُ لذلك؛ فلما قرأتُ الديوان لم أجد فيه شيئاً من مقومات الشعر والنثر، وكلما عدت إلى مقدمة صاحبي ازددت عجباً؛ فإن الشاعر لما اقتبس قوله تعالى: إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) سورة البقرة، بعد أن تيسَّرت مسيرته: أفاض الناقد بما هوأعظم من أضغاث الأحلام في تحليل هذا الاقتباس كأنه قمة الفن من إبداع الشاعر، وإنما هو كلام ربنا سبحانه نفقهه من كتب التفسير؛ فهممتُ أن أكتب مقالة أفيد فيها عن فلسفة الخواء والفراغ، ثم تراجعت وقلت في نفسي: أنا في عافية من استعداء الناس.. وشاعرنا عبدالعزيز محيي الدين خوجة ذولمحات فنية بلا ريب، ولكن الذي غاظني دراسات كُتِبَت عن دواوينه؛ فكأن هؤلاء النقاد اسماً لم يستمتعوا بشيئ من جمالياته، فراحوا يستطردون في مناهج النقد والدراسات وتحليل أشعارٍ لشعراء معروفين من الذين وافقهم الدكتور خوجة في بعض الغرض، ومن هؤلاء الدكتور إدريس بلمليح في كتابه (القلق والذات الإبداعية /دراسة في شعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة)؛ فقد قدم لبعض شعر الدكتور بستين صفحة بالقطع الصغير ثم إلى ص182 ينتهي الكتاب بمختارات شعر الدكتور خوجة، وأعدُّ هذه المقدمة هروباً عن النقد والتذوق،وأعدُّها إساءة إلى شعر الدكتور؛ لأن فيها كلَّ شيئ إلا جماليات شعر الدكتور بدراسة ونقد.. وأعجب ما عنده التفلسفُ في مسألة الأعاريض البصرية التقطيعية الصناعية التي وضعها الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى؛ لضبط قالب اللحن الذي هوالوزن، وأما اللحن فلا يستطيع ضبطه رحمه الله تعالى، ولعله تناول مبادئَ لرسم اللحن في كتابه المفقود عن الأنغام، بل كتابه في العروض أيضاً مفقود؛ وإنما وصل إلى الناس بالمشافهة.. ولقد شحن دراسته بتحليل النماذج من شعر شوقي والبُوصيري وغيرهما من الذين وافقهم الدكتور خوجة في بعض الغرض، وهذافضول، وهروب عن مهمة الدراسة والنقد.. إن في الشعر المقارن بين شعراء العرب أنفسهم، وبين شعراء العرب وغيرهم من الأمم فنٌّ قائمٌ بنفسه يُضْفي على النقد الأدبي جمالاً ودلالاً، ولقد كُتب مُجيليد عن معارضات الشعراء لقصيدة الحصري الدالية، وممن عارضها وأبدع أحمد شوقي.. وأما قصيدة البوصيري فقد تحولت إلى نظم بديهي أُفرغتْ فيه قواعد ونماذج ومعاني الفنون البديعية، ومن أشهر تلك البديعيات بديعية ابن حجة الحموي التي شرحها بكتابه المليح خزانة الأدب.
قال أبوعبدالرحمن: ومن المجاملات العارية ما أجده في كتاب ناقدة أخرى هي غريد الشيخ في كتابها تقنيات التعبير في شعر عبدالعزيز خوجة، وقد بلغ كتابها 432 صفحة، وهو في نصاب الكتاب السابق، ومن تلك الكتب كتاب الحب النبوي في شعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة لمؤلفه الدكتور المختار ولد أباه، وقد قدم له عبد الكبير العلوي المدغري، وهو188 صفحة؛ ومن المجاملات المفضوحة كلامه عن سعيد عقل حول ميكانيكية ولادة القصيدة، ثم يستشهد بأسطرٍ من شعر الدكتور لا أفرح بشيئ منه إلَا قوله:
[ والخطــوة إيـقـاع سـحـري.
والبسـمةُ وعــدٌ فـي خَـفَـرِ ].
قال أبوعبدالرحمن: كثير من أمثال هذين السطرين من اللفتات الفنية الواعدة لوأثرى الدكتور سياقهما بتجليات الفن وجبروت الفكر والإيقاع اللذيذ.
قال أبوعبدالرحمن: لقد كتبتُ شعراَ كثيراً في الصحافة، ونُشرَ بعضُهُ في ديوانين صغيرين من الشعر الفصيح عموديِّه وحداثيِّه، ومن الشعر العامي، ومن الشعر التعليمي.. وقُوبل هذا الشعر بصمتٍ مُحزنٍ من الناقد السعودي والدارس السعودي، ويُخيَّل إليَّ (بعكس ما زعموا) أن في شعري تجلِّيات؛ ولهذا فسأستعير حرفة (حجَّام ساباط)؛ فأكتب دراسة نقدية لشعري بين نقدٍ لاذعٍ وتقريظٍ لما أرى فيه الجمع بين عنصري الفكر والجمال.. ووالدنا الدكتور عبدالعزيز خوجة مُحسَّدْ بكثرة الدراسات عن شعره، وهوأهل لذلك.. ولكن الدراسة والنقد من الأديب السعودي قليلة جداً، ومنذ عقدين تقريباً حاول الأستاذ حمد القاضي أن يُحرِّك الراكد في إشارات صحفية عن شعر الدكتور؛ ولهذا فسأتولى مهمة الدراسة والنقد بلا مجاملة ولا تجنٍّ؛ لأدفع عن الأديب السعودي تهمة العقوق.. والذي اطلعتُ عليه من دراسات عن شعر الدكتور كتاب (عبدالعزيز محيي الدين خوجة شاعر الرؤية والتجديد) للدكتور ميشال كعدي، وقد صدرت طبعته الأولى عام 2005م عن قناديل ببيروت، و(شهد الوصال / تأملٌ أسلوبي في مطولات من مختارات إلى من أهواه للشاعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة) للدكتور إبراهيم المزدلي صدر عن النخبة للتأليف ببيروت الطبعة الأولى عام 2007م، و(قراءة في ديوان عبدالعزيز خوجة) للدكتور خالد محيي الدين البرادعي صدر عام 2007م ولم تُذكر دار النشر، و(الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجة سفير إلى ربوع التراث) للدكتور جمال حسين حماد صدرت طبعته الأولى عام 1429هـ دار الهاني بالقاهرة، و(ومحطات في رحلة البدء والمنتهى / دراسات في شعر عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة) للدكتور خالد محيي الدين البرادعي صدرت طبعته الأولى عام 2008م عن دار المبدعين في سوريا، و(تقنيات التعبير في شعر عبدالعزيز خوجة) تأليف غريد الشيخ، وصدرت الطبعة الأولى عام 2004م عن قناديل ببيروت، وكَتَب عبدالله عيسى مختارات من شعر الدكتور قدَّم لها بدراسة، وصدرت الطبعة الثانية عام 1418هـ بالرباط، و(المنارة والبحار) دراسة لشعر الدكتور بقلم جهاد فاضل، وصدرت طبعته الأولى عام 2010م عن دار الساقي ببيروت، و(الخطاب الشعري العاشق والإبداع) دراسة في شعر الدكتور خوجة للدكتورة حورية الخمليشي، وصدرت طبعته عام 2008م عن النخبة للتأليف ببيروت، و(القلق والذات الإبداعية) دراسة للدكتور إدريس بلمليح صدرت الطبعة الأولى عام 2001م بمطبعة دار القروييبالدار البيضاء، و(إسراء الخلاص / تحليل طوبولوجي لقصيدة: أسفار الرؤيا للشاعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة) للدكتور إبراهيم المزدالي صدرت الطبعة الأولى عام 2002م عن دار القرويين بالدار البيضاء، و(الذات والحلم في أسفار الرؤيا) دراسة للدكتور إدريس بلمليح صدرت طبعته الأولى عام 2007م عن النخبة ببيروت، و(القيثارة والمُغَنِّي / حوار مع شعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة) لجهاد فاضل صدرت الطبعةالأولى عام 2009م عن دار الساقي ببيروت، و(من السلوكي إلى الإشراقي في قصيدة أسفار الرؤيا / للشاعر عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة) لأحمد الطريسي، صدرت الطبعة الأولى عام 2004م عن دار قناديل ببيروت، و(جماليات القصيدة القصيرة في شعر عبدالعزيز خوجة) لعبدالله السمطي صدرت طبعته الأولى عام 1432هـ بالرياض عن مكتبة الملك فهد الوطنية، و(القيم الروحية والإنسانية في شعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة) لإيمان بقاعي صدرت الطبعة الأولى عام 2004م عن قناديل ببيروت،
و(التجليات الفنية في شعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة) للدكتورة حورية الخمليشي صدرت الطبعة الأولى عام 2011م عن النخبة ببيروت، و(الحب النبوي في شعر عبدالعزيز خوجة) للدكتور المختار ولد أباه صدرت الطبعة الأولى عام 2000 عن دار نشر المعرفة في الرباط، و(رحلة القلق والعشق في شعر عبدالعزيز محيي الدين خوجة) للدكتور إدريس بلمليح صدرت الطبعة الأولى عام 2003م عن قناديل ببيروت، و(قراءة في قصيدة لوأنهم جاؤوك)لأحمدوبن المختار حمين صدرت الطبعة الأولى عام 2002م عن مطبعة الكرامة في الرباط.
قال أبوعبدالرحمن: والذي اطلعتُ عليه من شعر الدكتور قصائد نشرت في الصحف، وقصائد مطبوعة على الكمبيوتر ناولني إياها في رحلتين خارج المملكة، وسبق لي الاطلاع على بعض دواوينه، ثم استجد لي الاطلاع على دواوين أخرى وهي جميعها: ديوان رحلة البدء والمنتهى، وديوان بذرة المعنى، وديوان أسفار الرؤيا، وديوان في حضرة النور، وديوان حلم الفراشة، وديوان من خبايا الوجد، وديوان الصَّهيل الحزين.
قال أبوعبدالرحمن: قد يقول قائل إن هذه الكتابات الكثيرة مجاملة لمعالي الدكتور عبدالعزيز من جهتين: أولاهنَّ رِقَّة طبعه ولطافة معشره، وثانيهما منصبه السياسي في العواصم التي استمتعتْ بكفائته في مزاولة مهمته.. ولا يعنيني هذان التَّوَهُّمان، ولن أبخس الدكتور حقه الفني لمجرد الظنون وهوصوت مُنْساب من جزيرتنا، بل سأدقق النظر في ما لدي من شعره، وفيما كتب عنه بِمِقْولٍ صادق إن شاء الله طَبْعه الإنصاف والانتصاف بادئاً بقصيدة أسفار الرؤيا التي حظيت بدراسات كثيرة، وسأدرسها جزئياً، ثم أعطي تفسيراً لمعناها الكلي بعيداً عن هذر النقاد في الكتب التي سردتها؛ فإذا فرغت من ذلك إن شاء الله عدتُ إلى أقوال الدارسين متفرِّجاً؛ فأصطفي ما فاتني من نقدٍ تقويميٍّ أوتقريظيٍّّ، وأناقش ما أجده من لغو؛ فأبدأ ببعض الصور المليحة.
قال أبوعبدالرحمن: تعدَّدت مناهج النقد الأدبي عند العرب والخواجيين؛ وبما أن الأدب قيمة جمالية، ومن عناصر الجمال أبعد ما يقدر عليه المخلوق من الجلال والكمال.. وبما أن من عناصر الجمال الإبداع، والإيقاع الذي ينقل عموم القول إلى خصوصية الشعر، والفكر الأصيل الذي يؤثر في العقول برصانته، ويثير الحس الجمالي بملكة الخيال، وسعة الثقافة؛ لأن الأدب المعتدَّ به بمعيار الجمال بكل عناصره لا يكون عفوِيّْاً ساذَجاً بلا ثقافة تثري العقل في تفكيره وتخيُّله؛ بل هوالثريُّ الذي يتجاوب معه المتلقِّي المُفكِّر وذوالحسِّ الجمالي مبتهجاً بحقائقه، ملتذّْ اً بإبداعه.. وبما أن النقد الصادق يعتمد على معرفةٍ بتاريخ الشاعر وميوله، وعلى سعة معرفة بما يميل إليه؛ ليربط أدبه بإرادته: لكل هذا آثرتُ منهجاً في النقد فريداً هو(المنهج التفسيري الجمالي التعاوني).. ويدخل في (التعاوني) غير ما ذكرته أن تستضيئ بنقد غيرك موافقاً له أومخالفاً.. ولقد مارستُ هذا المنهج في دراستي لبعض قصص (فرانز كافكا) اليهودي وليس هومِلْءَ العين جمالياً، ونشرتُ ذلك بأول عدد من مجلة (التوباد)، ثم تابعتُ المنهج بدراستي قصيدة أبي العلاء المعري (يا ساهر البرق) التي صدرت في كتيِّب عن النادي الأدبي بجازان، ولم أَحِدْ عن هذا المنهج في دراساتي التي نشرتها في (حديث الشهر) وغيره.. والمنهج التعاوني (إذا كان الأديب حياً، وتيسَّر لقياه ومحادثته) يقتضي المذاكرة فيما غمض لتسلم أنت ويسلم الأديب من آفتين: تسلم أنت من القول عليه بغيرعلم، ويسلم هو مما شاع في شعر القَلْطة من الشعر العامي؛ فيأتي الشاعر بلحن جميل، وبيتٍ تعجز كل الوسائل الثقافية عن فهمه؛ فإذا سئل عن مدلوله قال: (المعنى في بطن الشاعر)، وليس في بطن الشاعر إلا الأذى الذي ينقض الوضوء.. ولكن لم تتيسر لي المذاكرة مع معاليه؛ لظروفه وظروفي.. والمنهج التعاوني يمنحك بإذن الله إدراكاً صحيحاً لمعاني الأديب، وإحساساً صادقاً لإيقاعه الفكري واللغوي.. وربما لم يَدُرْ بخلد الشاعر ما أدركتُه أوأحسستُ به؛ لأنه مُنساق تلقائياً بشعورٍ خفيٍّ صادر عن ثقافته وفكره وانتمائه.. وليس ما أقوله على منهج البنيويين فيما يسمونه (قراءة معاصرة لنص قديم)؛ فيفترون على النص ما ليس فيه؛ وإنما ذلك قراءة ترتبط بالمنهج التعاوني من خلال فهمك للأديب وبيئته فهماً يفتح لك المُنْغَلق من مشاعره وإرادته.. ولقد قرأ الدكتور طه حسين ديوانالمتنبي قراءة معاصرة؛ فقارب الواقع في مثل دراسته:
أنا ابن مَن بعضه يفوق أبا (م)
الباحث والنجل بعض من نجله
فهذا وغيره يوحي بعزَّةٍ وشرف في النسب، فأبى الدكتور أن يكون المتنبي (جُعْفياً ابن سَقَّاء)، ولم يُصبْ في هذه، وإنما أصاب في الحكم بعزة المتنبي في نفسه؛ لأن أبا جدته الضخم كونه لها ابناً وكونها له أُمّاً.. وأصاب مارون عبود في حكمه بأن المتنبي باطني وهذا حق؛ فكانت عزته (الطموحُ الذي لا حد له في إقامة دولة باطنية كل مذاهبها وأهدافها خلف الكواليس)؛ ولهذا أخلص الثناء لسيف الدولة من أجل التقارب في النحلة، وجعله حمامة سلام مع أنه الظلوم الباطش حتى كان الأثرياء يدفنون أموالهم إذا أحسوا بالموت خوفاً من مصادرته، ويوصون ذرياتهم بالتناول منها قليلاً على آماد بعيدة.. وتجنَّى على العبد الصالح كافور الأخشيدي وهوهجاء يتعلَّق بسواده وما إليه مما هوصُنْع الله جل جلاله.. وأصاب الدكتور طه حسين الحقيقة التي غفل عنها كل من قبله في تحليله للقصيدة التي مطلعها:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسِمهْ
بأن تُسْعِدا والدمع أشفاه ساجمه
فردَّ الدكتور كل ما في القصيدة من غموض ونثرية وإبداع إلى علمه ببيئة الشاعر، وتنوَّع المعارف في بلاط سيف الدولة من لغوي وفقيه وفيلسوف وبلاغي مثل ابن خالويه والفارابي.. إلخ مع أن المتنبي محسود على موهبته؛ لهذا تحداهم بميميته، ورمى على كل جليس لسيف الدولة ما يناسب فنَّه العلمي، ثم عاد إلى نصابه مُرْضياً أهل الفن الذين منهم البلاغي بهذا البيت اليتيم:
بَليتُ بِلَى الأطلال إن لم أَقِفْ بها
وقوفَ شحيح ضاع في التُّرْب خاتمه
فهذا هومنهج النقد التعاوني، وهوحقٌّ سواء أَصَدَر المتنبي عن قصْدٍ مُسْبَقٍ أوعن شعورٍ باطن، وهكذا تكون ضرورة السبق بالعِلْم عن الأديب وبيئته؛ وبهذا المنهج فهرستُ لمواضيع الأدب في أحد كتبي وأظنه العقل الأدبي؛ فاطَّرحتُ أمثالَ: شعر الطبيعة في شعر فلان، والأنواء والنجوم في الشعر الفلاني؛ فهذا ثقافة محضة لا علاقة لها بالنقد إلا ما كان تحليلاً وفق المنهج الجمالي التفسيري التعاوني.. أعان الله الدكتور عبدالعزيز على إدلاجي بهذا المنهج؛ فإلى لقاء والله المستعان.