قدوتنا في الوفاء هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان وفياً مع أصحابه ووفياً مع زوجاته، فهو الذي وصفه الله تعالى بصاحب الخلق العظيم، حيث قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فهذا الخلق العظيم خليط من الوفاء والصبر والإخلاص والكرم والصدق والتواضع والحلم والحب وهو صفة من صفات نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
إن موقفه مع كفار قريش الذين آذوه وقاتلوه أشد القتال وعند ما استسلموا له كان متسامحاً معهم فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولم يحرص على التنكيل بهم أو أخذ الثأر وهذا قمة الوفاء التي لا يمكن أن يتحلَّى بها إنسان سوى الرسول عليه الصلاة والسلام.
إن تذكر الود والمحافظة على العهد ونسيان الغدر والإساءة كلها صفات للوفاء قال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (الإسراء 34).
إن الوفاء مع الصديق أمر ملزم للمسلم، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه ثلاث ليال فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري.
وأعظم الوفاء الذي يتحلَّى به المؤمن هو الوفاء مع الله سبحانه وتعالى وهو وفاء مقدّس بأن يعبده ولا يشرك به شيئاً، فالإنسان يدرك بفطرته السليمة وعقله أن لهذا الكون إلهاً واحداً مستحقاً للعبادة، ولا ننسى قوله سبحانه وتعالى في وصف المؤمنين، إذ قال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب 23).
يحكى أن رجلاً من بلاد فارس جاء برسالة من كسرى ملك الفرس إلى الخليفة عمر رضي الله عنه، وحينما دخل المدينة سأل عن قصر الخليفة فأخبروه، بأنه ليس له قصر فتعجب الرجل من ذلك، وخرج معه أحد المسلمين ليرشدوه إلى مكانه وبينما هما يبحثان عنه في ضواحي المدينة، وجدا رجلاً نائماً تحت شجرة فقال المسلم لرسول كسرى: هذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فازداد تعجب الرجل من خليفة المسلمين الذي خضعت له ملوك الفرس والروم، ثم قال الرجل: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.