قرأت في صحيفة الجزيرة بتاريخ 17 - -11 1432 الموافق 15-10-2011م يوم السبت عدد 14261 مقالا لحمزة بن محمد السالم عن الربا في الأوراق النقدية بعنوان (الربا مطلب شرعي) وخلاصته أن الربا في الأوراق النقدية عند من يقول به صار لهم مطلبا شرعيا وغاية كالأوامر وأن من حرم الربا في الأوراق النقدية وقال بوجوده بها قال ذلك إنقاذا للزكاة، وسأتناول الرد عليه في مقالين متتاليين هذا أولها فأقول وبالله تعالى التوفيق ومنه العون والسداد:
أولا: لقد سقت مثلا تشبيهيا وسميته بحكم الأمثال؛ فنتساءل؛ ما مصدرك في هذه الأمثال، ومن أين أخذتها، ومن الشعب المقصود بذلك المثال؟ فإن الأمثال لها مراجع حيث قال بعضهم: إن هذا تجربة جعلت على القرود وليست على البشر لمعرفة السلوك والتعليم عند الحيوان، وقيل هذا في روسيا. والمثل له مضرب ومصدر والمضرب شرطه أن يوافق المصدر ليصلح ضرب المثل، فلا أدري هل المسلمون في تحريمهم الربا في الأوراق النقدية كالقرود أم أنهم متبعون للدليل؟ وقد قال الدكتور صنهات العتيبي عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود عبر صفحته في «تويتر»: «مقال خطير خطير اليوم في الجزيرة بقلم حمزة السالم شبَّه المسلمين بـ»القرود»، باستحضار التجربة الشهيرة عن قرود ولصقها بمسلمين، من يحمينا؟».
وما نعلم لماذا هذا الاستخفاف بعقول الناس أم هو ضعف العقل والحجة وكتابتك تشهد باضطراب القدرة العقلية عندك فضاقت بك كتب الأمثال حتى لم تجد إلا هذا والعجب أنه مثل من أئمتك القدوة أصحاب الفضيلة الغربيين فلكل بلد أصحاب فضيلة لكن بعضهم يجعل فضيلته أعداء دينه وبعضهم فضيلته هم ناصحوه ومشفقوه ففضيلتك دكتاتوريون يلزمون العالم بربويتهم ويقررونها على العالم كما قال شيخهم الأعظم فضيلة الفرعون يقول ما أريكم إلا ما أرى. وأعظم الناس تحايلا على الربا والاستخفاف به هم اليهود ولكنك فقت هؤلاء فأنت الآن تقول على المكشوف وتتهم المسلمين بأنهم أسارى لشيوخهم ولكنك رميتهم بداء ثم انسللت فأنت وقعت فيما أنكرت فأنكرت عليهم التقليد الأعمى ووقعت في تقليد لأناس تركوا الربا واعترفوا بفضل الإسلام في الأمور الاقتصادية وإن لم يؤمنوا به فأنت اعترف كما اعترفوا وإن كنت ترى أن المسلمين والمشايخ تبعوا من قبلهم على جهل وتعصب دون فقه ودليل. وأنت لا تدري ما يخرج من رأسك ولا تعرف الكوع من البوع والزند من الكرسوع يا مسكين فكان يجب عليك الإنصاف.
هذا فضلا عن عنوانك الجريء وتبجحك الشديد فكشفت برقع الحياء واستبحت الكلام بالجرأة فالربا دائما حرام في شرع الله تعالى ولن يكون ضرورة شرعية فهذا استخفاف بالناس وازدراء لهم. وأنت لم تفهم العنوان الذي كتبت أو كتب لك ولعل هذا الأرجح لأن العنوان معناه أن الربا جوازه صار مطلبا شرعيا وحاجة وهذا بناء على أدلة وأنت لا تقصد ذلك بل تقصد أن تحريم الربا صار من الشرع ومن مطالبه فهذا لشدة خروقك وضعف عقلك فالتحريم والتحليل حق لله تعالى لا يجوز لأي شيخ أن يدعيه ثم من أنت حتى تحكم على كثير من أهل العلم أنهم يحرمون والتحريم عندهم صار ضرورة كأن الشرع جاء للتحريم وصار التحريم غاية دون حكمة أو معنى مراد للمصلحة والفساد فأنا أعلمك أن التحريم والتحليل لا يكون إلا من أصل الفساد فلم تحرم الشريعة شيئا إلا ومفسدته راجحة أو غالبة. فافهم لعل تعي يا هذا؟؟؟
فاختيارك للعنوان جهل فاضح وأنت تستعصي على التعليم للخراقة والجهل فيا أنت عنوانك لا يدل عليه مضمون مقالك فأنت تريد شيئا وعنوانك يريد آخر. فلا أدري من كتب لك ذلك العنوان لا يدري ما تقصد.
أما قولك: «ترد كل الدلائل وتعطّل الأفهام والعقول أمام عدم تحقيق الربا فيها.»
فالجواب ما هي دلائل تحليل الربا في الأوراق النقدية عندك وقد خالفت كل العلماء ولم يوافقوك على قولك إلا شرذمة من الناس كالأحباش وشيخهم المقبور عبد الله الهرري فهل محض تصادف أم تلاقي الوساوس كما قال تعالى: كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ . وافق شن طبقا وما أسر رجل سريرة إلا أجراها الله على قسمات وجهه وفلتات لسانه فحتى الشيعة فقد قدم التسخيري بحثا يدور مضمونه حول تحريم الربا وخطورة الربا على الاقتصاد ولم يعترض أي من الفرق الإسلامية على حرمة الربا في الأوراق النقدية إلا أنت المتحبش والأحباش. وقولك «والربا ليس من المأمورات كالصلاة والزكاة فيصبح تحقيقه مطلباً شرعياً».
فالجواب نعم الربا من المنهيات ليس من المأمورات والمأمورات والمنهيات تتفاوت في الدرجة وقد قيل أصوليا إن النهي أشد من المأمور فلذلك قدمت في الحديث ولم يذكر معها الاستطاعة فقال وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه فلم يذكر الاستطاعة في المنهيات بل قطع فيها ولم يجعل الاستطاعة شرطا مما جعل بعض الأصوليين يقدم النهي على الأمر وأنه أخطر وأضيق فلذلك لم يربطه بالاستطاعة ولذلك اختلف العلماء في أيهما أعظم ترك المحرمات أم فعل المأمورات وإن كنت أناقش في تفاصيل تلك المسألة لكن المقصود أن من مطالب الشرع التحذير والتنبيه على الحرام وبالذات ما كان منتشرا وتعم به البلوى وكلما احتاج الناس للعلم وكان معرفته ضرورة كان نشره أكثر والحث عليه والتذكير به أقوى من غيره والمال من ضروريات الحياة لذلك حذرت الشريعة بألفاظ شديدة كالحرب من الله ورسوله في التحذير من الربا والشرع جاء كاملا بالمنهيات والمأمورات وهما توأمان لا ينفكان وطاعة الله لا تتم إلا بترك المنهي وفعل المأمور فهما جناح الشريعة ولذلك قال في الحديث: الحرام بين والحلال بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. والمشبهات من الحرام أو تشابهه فلذلك تركها من دين الله تعالى فالدين يأمر وينهى ومن توحيد الله تعالى فعل المأمور وترك المحظور وهذا قوام الدين فحرص العلماء على التذكير بالربا تحذير من باب النار وحتى هذا عقلا وعرفا عند الناس يحذرون من الحرائق والكوارث العامة وإرشادات السلامة يضعون التحذيرات أحيانا قبل المأمورات فحتى عرفا وعقلا فلم تفهم ما تعيش فيه من واقع الحياة فأي مبنى يبنى في بلاد الدنيا لابد من مراعاة وسائل السلامة قبل أشياء كثيرة وكتابة التحذيرات مطلب السلامة عند رجال الدفاع المدني فعليك أن تذهب إليهم وتقول منع النزول بالمصعد في الحرائق صارت مطلبا عند هؤلاء فكل الدنيا أغبياء وأنت الذكي الوحيد فيجب أن تعطى شهادة الذكاء العبقرية النادرة وليت في الأمة مثلك.
وقولك: «بل هو من المنهيات التي إنْ لم توجد فالحمد الله رب العالمين أن كفى الله المؤمنين مؤنة الفتن. فكيف أصبح الربا مطلباً شرعياً اليوم.»
والجواب: وإن كانت المجتمعات تتخذ صورة الانحراف في الغالب والخطأ أصل في الإنسان ألا يرى فضيلتك أن نكثر من التحذيرات والتنبيهات وننبه الناس من الخطر المفسد لمجتمعاتهم فيصير سلامة المجتمعات هي المطلب وأما النهي والأمر هو وسيلة لتحقيق عبودية الله تعالى فالشريعة وضعت ابتداء لإدخال العباد في عبودية الله تعالى اختيارا كما أنهم دخلوا في عبودية الله قهرا فأين أنت من كل هذا؟؟! والفتن تقع كل يوم ومنها تمكينك من الكتابة في جرائد شبه رسمية يقرؤها كل أحد ليخلط على الناس دينهم ألا ترى أن نحذر الناس من أمثالك مع توقع كثرتهم لا أكثرهم الله تعالى أن نحذر الناس.
وأيضا مضمون كلامك كأنك توافق على أن الربا حرام في الأوراق النقدية لأنك اعترفت بحرمته لكن تعترض على جعله مطلبا شرعيا فهل أنت تفهم ما قلت فالربا عندك في الأوراق النقدية حرام لكن تعترض على جعله مطلبا شرعيا وتقلل من أهمية التحذير منه. وقولك: «فلم يحدث قط أن خرج الذهب والفضة من عالم الأثمان».
فهذا الكلام فيه نظر فقد وردت صور كثيرة في اعتبار غير الذهب والفضة ثمنا فقد كان يشترى البعير بالبعيرين وبيع العرايا موجود وأشرح لك بيع العرايا لأنك ربما لا تعرفه أن يباع الرطب بالتمر فكان التمر والرطب ثمنا ومبدلا ولا يدخل الذهب والفضة بينهما وكذلك كان الناس في نجد وغيرها في سائر الدنيا يجعلون الأشياء والسلع ثمنا بل قبل اكتشاف النقود كانت السلع ثمنا كالخبز والشعير ثم صار الذهب والفضة ثمنا ثم خفت الثمنية فيها فهذا تحول تاريخي طبيعي لاختلاف حاجات الناس.
ولذلك الشريعة منعت بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا فقال سئل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهاه عن ذلك. فقد جعل الرطب والتمر بعضهم ثمنا لبعض لذلك منع فيهما الزيادة والربا فلو كانت الأوراق النقدية لا تقبل التفاضل لم يمنع فيها الربا لكن لما قبلت الثمنية والتفاضل صار الربا فيها حقيقة فعلى كلامك نكذب بهذا ونبيع الرطب بالتمر لعدم كونهما ذهبا ولا فضة وكذلك سائر الأصناف الستة الربوية وأيضا اختلف العلماء في بيع اللحم بالحيوان والبعير بالبعيرين فقد تتغير الثمنية من صنف لآخر وأن الثمنية ليست محصورة في الذهب والفضة ويكون كلامهم لغوا. وقد أجمع كل الاقتصاديين أن الأوراق أثمان للأشياء فهذا محل إجماع من المسلمين وغيرهم فأنت لست مع الاقتصاديين ولا الشرعيين ولك في العير ولا النفير.
فالذهب خرج عن نطاق النقود وأصبحت النقود الورقية أثمانا عرفية بقوة القانون، وتحديد الثمنية في الاقتصاد الوضعي يعرف الاقتصاديون المعاصرون النقود بأنها أي شيء يكون مقبولا قبولا عاما كوسيط للتبادل ومقياس للقيمة وهذا يعني أن النقود في عرف الاقتصاديين عبارة عن أي شيء يتمتع بالقبول العام في الوفاء بالالتزامات ويلاحظ على هذا التعريف أن المراد منه الشمول حتى لا تكون النقود محصورة بسلعة معينة أو معدن معين فإن العبرة ليست بالمادة المتخذ منها النقد بل بما تؤديه من وظائف في سداد الديون والوفاء بالالتزامات وجلب الحاجات وتحقيق المصالح والحصول على ما في أيدي الآخرين من سلع وخدمات وهذا لا يحصل إلا إذا كانت النقود رائجة بين الناس ومقبولة عندهم ولهذا لن نر خلافا بين الاقتصاديين على صحة التعامل بالنقود الورقية بل جعلوها كالذهب والفضة تماما من حيث كونها نقدا قائما بذاته تتوافر فيه صفات النقد الجيد فإن النقود الورقية تصلح لأن تكون مستودعا للقيمة مقياسا للأسعار وواسطة للتبادل ووسيلة للوفاء بالالتزامات وسداد الديون. فالشرع والاقتصاد وعلماؤهما لم ينصوا على حصر الثمنية في الذهب والفضة.
بل العادة محكمة والشريعة جاءت والناس الأثمان عندهم الذهب والفضة. وراجع مقدمة في النقود والبنوك محمد زكي شافعي ص:26 واقتصاديات النقود والصيرفة د. محمود يونس. والثمنية ليست محصورة في الذهب والفضة، فهذا كلام الطائفتين ولا أدري لماذا تخالفهم أم أنت تريد فقط تخالف المشايخ لأنهم مشايخ وفقط وكل ما جاء من عدوك باطل وإن كنت تقول به، وأنتم دائما تتهمون المشايخ والعلماء بأنهم مغلقون عقليا ولا يواكبون الحضارة فهم الآن يوافقون الاقتصاديين فكان حريا بك موافقتهم ولو لأنهم وافقوا الاقتصاديين أن أنك تخالفهم ولو صدقوا كما قالوا في المثل: «عنز ولو طارت».
وللحديث بقية ستأتي في الرد القادم إن شاء الله تعالى.
أ.د. محمد بن يحيى النجيمي