بقدر ما أشعل تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) للعام 2010 والربع الأول من عام 2011 التفاؤل على قدرة الاقتصاد السعودي على تفادي مزالق المديونية العامة والخاصة، والنجاح في تجاوز الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية في الدول الصناعية، فإن التقرير الذي تميز بالشفافية والصدق أوضح أن أمام المملكة الكثير لتحقيق الأهداف والطموحات التي يسعى خادم الحرمين الشريفين إلى تنفيذها، وجعلها المعيار الحقيقي للنجاح؛ للبلوغ إلى مصاف الدول المتقدمة التي تعمل من أجل خير شعوبها.
الدكتور محمد سليمان الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، وبعد أن أشار إلى إنجاز المملكة عدداً من الخطوات الهادفة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد، وتحديث الأنظمة والتشريعات؛ ما عزز رفع مستوى وتنافسية الاقتصاد السعودي، الذي احتل مرتبة متقدمة؛ ما حقَّق التشغيل الأمثل لعوامل الإنتاج ووفَّر بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي.. فإنه أشار إلى نقطة مهمة جداً، هي نجاح المملكة في تجاوز أكبر تحدٍّ تواجهه الدول الصناعية في العصر الحاضر. فبالرغم من معاناة هذه الدول من أزمة الديون السيادية استطاعت المملكة العربية السعودية خفض الدَّين العام من 104 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1999م إلى 7 في المائة فقط في عام 2011م، وهذا - بحد ذاته - إنجاز كبير قياساً بمعاناة الدول الأخرى التي تضغط على اقتصادياتها معدلات ارتفاع الدَّين العام.
وبالصدق والشفافية نفسيهما أبرز تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي التحديات التي يواجهها الاقتصاد السعودي، التي من أهمها مواجهة ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب، خاصة أن التركيبة السكانية للمملكة يغلب عليها الشباب، الذين يشكلون أكثر من نصف تعداد المواطنين. وأشار التقرير بشفافية وصدق تامَّيْن إلى أنه رغم الإنجازات الجيدة في مجال توظيف المواطنين إلا أن التقديرات تشير إلى أن نسبة البطالة بين السعوديين ما زالت غير مُرْضية، ولا بد من مواجهة هذه المسألة، وتكثيف الجهود، وتذليل الصعوبات التي تواجه خلق وتوطين الوظائف.
أيضاً يؤكد التقرير أهمية مواجهة المملكة تحديات تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط بوصفه مصدراً للدخل، والحد من الاستهلاك المحلي المرتفع من النفط والغاز.
تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي بقدر ما يكشف الحالة الحقيقة للوضع الاقتصادي والمالي للمملكة العربية السعودية فإنه - بكثير من الصدق والشفافية - يُظهر عوامل القوة والمتانة الاقتصادية والمالية للمملكة، ويكشف عن نقاط الضعف التي لا تزال تتطلب المعالجة، وتفرض تحديات لمواجهتها.
هذا التقرير الذي يتناول أهم القطاعات في الدولة والمجتمع سلك لغة صادقة وشفافة، وهو ما يجب أن تكون عليه تقارير مؤسسات الدولة، التي يجب ألا يقتصر دورها على السرد وإبراء الذمم بقدر ما تظهر الواقع وتكشف عوامل القوة لتقويتها ونقاط الضعف لمعالجتها.