الحرب التي شنت على ساهر حتى وصلت إلى أذية العاملين عليه بالقتل تجعل المرء يعجب ويتساءل.. لماذا؟.. فسبب وجود ساهر هو الحد من حوادث السرعة.. وهو العلاج الذي أثبت فوراً مفعوله على أرض الواقع فانخفضت الحوادث والوفيات قرابة النصف.. وهذا ما لم تستطع أن تحققه حملات التوعية التي أطلقها المرور طوال الأربعين عاماً الماضية.. وهو نفس العجب الذي انتابني قبل سنوات مما حصل لصناديق البريد وخدماته.. فالبريد قدم للمجتمع السعودي خدمة لم تعرفها مجتمعات الجزيرة العربية في تاريخها ومع ذلك تشارك الجميع في التأليب والتبرير لإتلاف صناديق البريد وتعطيل خدماتها.. لكن هذا العجب يزول حينما نعرف أن كلا المشروعين الوطنيين الحيويين تم تطبيقهما دون توعية الناس والتعريف بالمشروع وفوائده وعوائده على المجتمع والتنمية.
فساهر نظام رقابي إلكتروني لحركة المرور يرصد المخالفات المرورية بحرفية آلية ودقة عالية للحد من ضحايا القاتل رقم واحد للمجتمع السعودي وهو حوادث السيارات.. أي أن غايته أن يسهم في الحفاظ على أرواح الناس وتقليص التكاليف العالية جداً لحوادث الطرق.. والتي تمثل بحق كارثة وطنية يجب أن تتكاتف كل الجهود لإيقافها.. فثلث الأسِرَّة في كل مستشفيات المملكة مسكونة بمصابي الحوادث ناهيك عن الأرواح والممتلكات المفقودة.. لكن هل تكفي جودة الفكرة ونبل المقصد وصدق النية لنجاحها؟.
أيضاً كيف لنا أن نعرف البريد وأهمية خدماته ولم يسبق لنا التعرف عليه؟!.. ولم تقم مؤسسة البريد بتبني حملة إعلامية توعوية تقول فيها للناس ببساطة: من هي.. وماذا تريد أن تقدم لهم من خدمات.. وكيف ستخدم المجتمع والتنمية.. إلى غير ذلك من المعلومات الأساسية.. فالانطباع العام كان عن عزم المؤسسة على فرض إتاوة على كل بيت.. فإذا كان هذا المجتمع قد عاش قروناً دون الحاجة إلى خدمات البريد فكيف له أن يفهم تلك الأهمية الفجائية للبريد والتي لم يحاول مسؤولو البريد نفسه شرحها له.
وكذلك الحال بالنسبة لـ»ساهر».. فمن يصدق أن كل شرائح المجتمع قد هاجموا النظام.. فكيف انقلب الرأي العام ضد مشروع يهدف إلى تحقيق مصلحة وطنية ظاهرة!.
ساهر مشروع وطني يمس حاضر الوطن ومستقبله.. ويجب أن يُقَدَّم للناس بشكل صحيح حتى يروه ويتعاملوا معه كوسيلة بناء.. وحينها سوف يتقبله الجميع كوسيلة تنمية متفق على نبل غايتها.