لسنا على وفاق تام مع كلمة (الهامش) بما تأتِ به من (تهميش)، و(مهمّش)!!
ولن يرضى عنك من أحس بـ(تهميشك) له.. أو شعر أنك قد (همّشته) في حياتك..!! وكثيراً تساءلت: لماذا حضور حرف (الشين) في الكلمة كثيراً ما يوحي بالخشونة والفضاضة والذم؟!
في المعاجم: هامش وهوامش.. حاشية الكتاب أو جانب الشيء وعرضه.. وفلان يعيش على هامش الحياة. حيث أوحت لنا الكلمة بدونية الشيء أو تواضعه!! في حين نستمد من هوامش الكتب ثقافة قد لا نجدها في الكتب نفسها.. إذاً فـ(الهامش) كلمة ذات عطاء موجب وسالب في آن، وليس سالب فقط. فإن تكون على هامش الحياة يعني أنك بمعزل عن مآسيها، وهمومها، وعللها، وأوجاعها، وفقرها، أو جوعها..
تشعر أن فلان جعلك في الهامش أو على الهامش فتأسى وتحزن وتكتئب.. مع أن وضعك هذا يمنح ذهنك مساحة لمراجعة أسباب جعلك كذلك؟ وطلب معرفة أين يكمن الخلل، فيك أو فيه؟
حتى النظام الاقتصادي للهامش حيز فيه..
ما يسمى بـ(نظام الهامش النقدي): وهو إيداع أولي لضمان التزام المستثمر بإتمام الصفقات التي يرغب في عقدها.. حيث هذا النظام يمكن المستثمر من التداول في سوق العملات الأجنبية والمعادن الثمينة (مثلاً) بأحجام كبيرة مقابل إيداعات نقدية تتميز باعتدال أحجامها وهنا يمكنه توجيه باقي المال إلى قنوات استثمارية أخرى ومتنوعة.
فهل الهامش أقل أهمية من المتن؟ لا أعتقد..
بدليل أن أغلب القراء يركزون في قراءتهم للكتب على الهامش تركيزهم على المتن وأشد..
فهل يخدم القارئ (تهميش) (الهامش) في الكتاب، أو تكتمل لديه المعلومة؟؟! وبعض القراء والمثقفين يعتمدون في اقتنائهم للكتاب على ما ورد في الهوامش من تلميحات عنه.. فلو لم يكن للهامش ضرورة، ما انوجد وهو يقدم لنا، كذلك المراجع التي اعتمد عليها المؤلف. وكان أكثر ما يميز الكتب القديمة كثرة الهوامش بها!!
وقد لاحظت أن للهوامش أهمية لدى العمالة الوافدة في رسائلهم لأهليهم.. بكثرة الهوامش والإضافات يمين ويسار الرسالة أو أعلاها وأسفلها.. في حين نهتم في نظافة هذه (الأماكن)..
- وهناك فئة قراء يحرصون على كتابة هوامش، في الكتاب، وأثناء القراءة هي خلاصة أو عبارة مهمة أو استنتاجات تسهم في سرعة رجوعهم لملخص الكتاب ما شاؤوا.
إذا فالهامش ثقافة لو أمعنّا النظر وأطلنا التفكير.. ومن يجد نفسه على الهامش في الحياة، أو في علاقته بمن أحب، أو في محيط أسرته.. يساعده هذا الإحساس، ويمنح له فرصة التحليق والتفكير في إيجابيات الهوامش أو الهامش والتهميش.. حيث لا تتطلب الحياة دوماً أن نكون باستمرار في متنها!! وربما مرّ بكم ديوان الشاعر: محمد علي الخفاجي الموسوم بـ(الهامش يتقدم). فلا هو تأخر أو في مكانه سار.
وبجانب (ثقافة الهامش) ظهر لنا (أدب الهامش) وكان ظهوره جلياً في مدن الداخل الجزائري المقموع مثقفيها.. عندما أقاموا ملتقى ثقافي هو الأول من نوعه تحت مسمى (عرس الهامش) وكان يعني (أدب المهمشين) المتمردين على المنظومة الرسمية مثلما هو معروف في آداب وفنون الشعوب الأخرى. وكانت أول محاولة للاحتفاء بذلك الزخم سلسلة (نصوص الهامش) الشعرية التي أصدرتها (رابطة كتّاب الاختلاف) نهاية تسعينات القرن العشرين وصدر عنها الكثير من النصوص الشعرية لشعراء كانوا مهمشين في المنظومة الشعرية الرسمية قبل ذلك. لكن مفهوم الهامش تغيّر في نظر الكثير من الكتّاب، عندما حدثت تحولات في المشهد الأدبي، وانتزع هامشيو الجزائر العاصمة، مكانة لهم تحت الأضواء وتم الاعتراف بهم.
وعندما وجدت فئة من كتّاب الضواحي الجزائرية نفسها بعيدة عن تلك الأضواء أصبحت تنسب نفسها إلى الهامش.
ومن بين كتّاب الهامش المعروفين الشاعر رضا ديداني ورغم أن تجربته في الكتابة بدأت في ثمانينات القرن العشرين إلا أنه لم يتمكن من إصدار مجموعة شعرية إلا مع مطلع الألفية الجديدة، واختار لها عنوانا معبرا هو (هيبة الهامش). يعتبر رضا ديداني كتابة الضواحي فعلا (مهمشة جغرافيا).
وأضيف أن للتهميش دورا في الإبداع أو في الإنتاج المبدع.
Twitter: @Hudafalmoajil