التعليم العالي حق طبيعي مفترض للطلاب ذوي الإعاقة مثلما هو حق لغيرهم، فهو الجسر الذي يمتد لتنساق فوقه خطوات هؤلاء الطلاب نحو التمكين الحقيقي بالمجتمع، وهو امتداد فاعل لبرامج الدمج التي أصبحت تحتل معظم مدارس المملكة العربية السعودية، ولعل المطلع على أعداد الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بالجامعات العالمية...
...يدرك التحدي الحقيقي الذي قبلته تلك الجامعات طواعية لاستيعاب الاختلافات بين طلابها تقديرا لما جاء في قرارات المواثيق الدولية، حيث أخذت على عاتقها تحقيق المساواة بصورة عملية تتضمن الاحترام للاختلافات الفردية والتنوع، بالإضافة لتوفير المستلزمات التقنية والتسهيلات البيئية اللازمة لانضمام الطلاب ذوي الإعاقة للجامعات، ومن المفارقات التي تلفت الانتباه في التعليم العالي في عالمنا العربي، لهاثه المتسارع خلف الجودة وتطبيقاتها العملية وما تضمنته معاييرها من احترام للتنوع، في حين لا نجد وزارة واحدة للتعليم العالي تضع في حسبانها جودة الخدمات المرتبطة بالاحتياجات الخاصة بالجامعات، أو حتى تفرد إدارة متخصصة لمتابعة شئون الاحتياجات الخاصة أسوة ببقية المجالات الأخرى، وتكتفي بعض الوزارات كما يبدو بتوفير الدعم المالي لبعض الطلاب ذوي الإعاقة ظنا أن تلك المكافآت تشكل حلا سحريا لكافة مشكلاتهم، ولهذا بادرت بعض الجامعات طواعية وبشكل فردي بإنشاء مكاتب ومراكز متخصصة لمساندة هؤلاء الطلاب ودعمهم، إلا أن غياب الدعم الرسمي أو الالتفات الجاد لتلك الجهات من وزارات التعليم العالي قد ينجم عنه تقصير أو تراخ في خدماتها، أو قد يترك المجال متاحا لعزوف جهات أخرى عن تقديم أي دعم يحتاجه الطلاب ذوو الإعاقة لاستكمال تعليمهم، واستدراكا لحدوث ما قد يحول دون انخراط الطلاب ذوي الإعاقة بالجامعات أو يستدعي انسحابهم من مقاعد الدراسة، وضعت أنظمة التعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية اشتراطات خاصة على كافة الجامعات تطالبها بالجودة في خدمات الاحتياجات الخاصة، وتقصت تلك الدول فاعلية تلك الخدمات من خلال معايير انطلقت أساساً من أنظمة ومواثيق دولية خاصة بالإعاقة، وقد اعتبرت تلك الدول مخرجات مراكز الاحتياجات الخاصة في دعم الطلاب ذوي الإعاقة إحدى أهم نقاط التنافس الحقيقية بين الجامعات.
ما يثير التساؤل هو أن المملكة العربية السعودية قد كانت أولى الدول العربية التي وقعت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وصادقت على ما جاء في بروتوكولها الاختياري منذ عام 2008م، مما يعني أنها أصبحت ملزمة دولياً لتنفيذ ما جاء في تلك الاتفاقية، ومع ذلك لم نلمس اهتمام رسمي كاف بتحقيق ما جاء في بنودها فيما يتعلق بالتعليم العالي، وعلى الرغم من تميز بعض الجامعات السعودية كجامعة الملك سعود مثلاً في خدماتها للطالبات والطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، ومبادراتها لتدريب جهات جامعية أخرى للتعامل مع الاحتياجات الخاصة، إلا أن تلك الجهود بلا دعم رسمي مستمر تبقى تجربة فردية قد يكتب لها البقاء أو الزوال. ما نأمله كمتخصصين في مجال الإعاقة أن يصبح لوزارة التعليم العالي دور ريادي معمم في توجيه ودعم خدمات ومراكز الاحتياجات الخاصة بالجامعات السعودية، ينطوي على تحديد آليات تحقيق الوصول السهل والتصميم الشامل لكافة الخدمات الجامعية، كي تتحقق المساواة المطلوبة لكل الطلاب ذوي الإعاقة وفي كافة مناطق المملكة.
جامعة الملك سعود
salkhashrami@yahoo.com