ما يدعو إلى الضحك حقا هذا الاستعراض الإسرائيلي الصبياني، عندما يبدو نتنياهو كأنه يقول لأحمدي نجاد: استعدوا، فنحن قادمون لضربكم. يترافق ذلك، طبعاً، مع إجراءات تهويلية باستعدادات جوية بعيدة المدى، وبتصعيد تصريحات المسؤولين في كلّ من تل أبيب وقم وطهران.. نظامان باطنيان في العالم يُهدّدان استقراره وأمنه وطمأنينته، هما « نظام ولاية الفقيه « في إيران، و» نظام يهودية الدولة « في إسرائيل. النظام في إسرائيل يحتلّ أراض عربية (فلسطين والجولان السورية)، وينتهك حقوق الإنسان في المجتمع الفلسطيني - الإسرائيلي، ويضطهد الفلسطينيين والعرب، ويُدبّر المؤامرات ضد الدول العربية. والنظام في إيران يحتلّ أراض عربية (ثلاث جزر من دولة الإمارات)، وينتهك حقوق الإنسان في مجتمعاته الشيعية غير المؤيدة لنظرية ولاية الفقيه، ويضطهد أهل السنة والجماعة في إيران، ويُحرّض شيعة المنطقة على الثورة والجنوح إلى التخريب والتدمير، ويحوك المؤامرات ضد الشعوب العربية والإسلامية. النظام في تل أبيب يُسيطر عليه العسكر بالاتفاق مع الأحزاب الدينية المتطرفة، والنظام في طهران يُسيطر عليه الحرس الثوري العسكري بالاتفاق مع « حزب ولاية الفقيه «. تمتلئ روايات (ماركيز)، بكثافة إبداعية لا تُقلّد، بعذابات الناس في الأنظمة المختلّة، والمتخلخلة، حيث الخوف ليس فقط من الخارجين على القانون والطغاة الصغار، بل وأيضا من القانون نفسه، ومن مراكز الفساد، وحيث القانون لايعني شيئا لغير الضعفاء والمساكين والفقراء. في أنظمة مثل النظام الإيراني والنظام الإسرائيلي، السلطة ليست هي القوة وحدها، والحكم ليس الحكم وحده، سواء في تعامل هذين النظامين الباطنيين مع شعبيهما في الداخل، أم في تعاملهما مع الخارج. فليس من المستغرب، إذن، أن يتهم - عملا بالتقية - المرشد الإيراني علي خامنئي، من كان «ابنه!» في الانتخابات الرئاسية، محمود أحمدي نجاد بالتآمر مع الصهيونية العالمية، لتنفيذ مخطط يستهدف تحريض إسرائيل على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. كما ليس من المستغرب أن تتهم - من قبيل التقية أيضاً - الأحزاب الصهيونية المتطرفة نتنياهو بالتبعية لواشنطن في كيفية حل أزمة السلاح النووي الإيراني. حكمة الحياة والبقائيات هي واحدة، لا تتغير، عند نظامي إيران وإسرائيل الباطنيين: التغاضي والتراضي في ما بينهما، وتأزيم أوضاع المنطقة، وتأجيج الأصوليات والتعصب بين شعوبها، ودعم اللايا الإرهابية في دول جوار كلّ منهما. في مثل هذه الأحوال تحمل الأزمات الكبرى أسماء وعناوين ومضامين صغرى، والعكس بالعكس، ولا تعود القضية هي الرجل، بل الرجل هو القضية. يخدم النظامان الباطنيان في إسرائيل وإيران، كلّ منهما الآخر، ويتماهيان معا، بهدف فرض الإفلاس العام، دينيا ووطنيا وقوميا، على المنطقة، ليُصبح اجترار الخواء تمرينا دينيا ووطنياً وقومياً لكل شعب من شعوب المنطقة، ويغدو تصديق الترّهات انضباطاً جماعياً، والتثاؤب هو النشاط الوحيد لأدمغة الشعوب. إن « نظام ولاية الفقيه « و « نظام يهودية الدولة « المتماهيان، يعملان اليوم على تحويل شعوب المنطقة العربية إلى قبائل يُحرّض زعماؤها على نقعها في خلّ التخلّف، وتأصيل غرائز التعصّب والعدوانية فيها، ونفض الغبار عن هذه الغرائز، كلّما خبا وهجها. هل يستحق هذان النظامان الحياة؟
Zuhdi.alfateh@gmail.com