يعد التميز في البحث العلمي المؤشر الحقيقي لتقدم الدول ورقي مجتمعاتها وعلينا تحفيز وتشجيع حركة البحث العلمي والنهوض به وخلق بيئة تدعم وتحافظ على منظومة القيم والفضائل والأخلاق العربية الإسلامية وثقافة الأمة وحضارتها حيث تتعرض اليوم إلى ضغوط عديدة وزعزعة ثوابتها من قبل الحضارة الغربية والتيارات المعاصرة وينبغي ألا تؤثر فينا تلك الضغوط والتحديات لأن رصيدنا الثقافي والتاريخي ومثلنا الإسلامية ومفاخرنا وتراثنا الخالد لا تال بتوفيق الله مؤثرة وفاعلة وقوية رغم ما يصيبنا اليوم من ضعف في ميادين العلوم المختلفة ومضامير التقنية والتفوق، إن علينا أن نواجه التحدي بقوة المناهج الدراسية والنظم التربوية وتخريج جيل متقدم علمياً وأخلاقياً، والاستفادة من دراسة التاريخ في معرفة عوامل الانحلال والتدهور الحضاري فذلك مما يعمق وعينا بالحاضر وتفهم وسائل العمل وطرق النهوض ووضع خطط وآليات تهدف إلى توجيه الأجيال علمياً ومسلكياً وتقنياً بحيث يحقق خطط التنمية الاقتصادية والعلمية وإنشاء مراكز للبحث العلمي تكون مهمته بالدراساتا لعلمية المتخصصة لردم الهوة بيننا وبين الغرب وبناء النفوس والعقول والقيادات الواعية المؤقتة بأهمية العلم وضرورة التنمية وخلق حوافز الإبداع ودراسة عوامل تفوق الغرب واليابان وتجارب نجاح بعض دول جنوب شرق آسيا ونجاحها مؤخراً في عالم الاقتصاد والتقنية وعلينا الاهتمام بإنشاء مراكز التميز البحثي على الجوانب التي تهتم بالتقنية وقضايا البحث العلمي بل وتبني معايير جودة البحث العلمي والعمل المتأصل على تحسين مخرجاته، فلو ركزنا على إنشاء مراكز الأبحاث ومتابعتها وتحويلها حتى يكون لها دور إيجابي وإنتاج علمي ودراسات علمية تساعد على الرقي والتطور والاستفادة من تجارب الآخرين دراسة ونقداً وتحليلاً وبرؤية وشمول ومعايير نقدية تدقق وتتعامل مع جملة الحضارة الغربية بأسلوب علمي وأدلة علمية صحيحة.
إن الحضارة الغربية اليوم تتعامل مع عالمنا الإسلامي بروح الاستعلاء وإبراز الحضارة الغربية بكل جوانبها وعلومها وعلينا أن نستفيد من جوانبها الإيجابية ولقد بدأت الحضارات من الشرق وانتقلت إلى الغرب وقد تعود إلى الشرق من جديد وما ذلك على الله ببعيد ولا ننسى في هذا المقام حركة التاريخ وأهمية دراسته لتعميق وعينا بالحاضر ولنذكر المؤرخ تونيبي الذي تحدث عن سقوط الحضارات ويرى أن الحضارة الإسلامية تهددها الحضارة الغربية بالإبادة والامتصاص فهو يرى أن أسباب انحلال الحضارات يرافقه فساد يدب في أرواح الناس وتغير يطرأ على سلوكهم وحياتهم وانحطاط في الأخلاق والعادات والأدب والفن وفي هذا يقول المؤرخ (غوستاف لوبون) إذا بحثنا في أسباب انهيار الأمم نجد السبب الرئيس تغير المزاج النفسي تغيراً نشأ عن انحطاط أخلاقها ولقد قيل التاريخ صفحة واحدة لكل الأمم ولقد قال الله قبل هؤلاء { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد لقد وضع الغربيون مناهج العلوم الاجتماعية ومنها نظريات تغير التاريخ.
كم نحتاج إلى الإشادة بتراثنا وقيمنا والمعايير الإسلامية الواضحة التي تهتم بحياة الإنسان الروحية والاسترشاد بالوحي الإلهي واستقراء السنن الإلهية في الحياة، ولنجعل من الدراسات الإسلامية ميادين جديدة لم يسبق إليها الآخرون لمواجهة الحضارة الغربية وضغوطاتها وهيمنتها على العالم ونقوم بدورنا الحضاري الروحي في بناء الحضارة على قيم الإسلام ومثلة وفضائله، إذ إن الحضارات المعاصرة كما نراها اليوم ونقرأ آراء فلاسفتها ومؤرخيها تحتاج إلى القيم الأخلاقية والمثل الروحية والفضائل الإسلامية الخالدة إذا أحسن تفسيرها وفهمها والوعي بالتواصل معها وتكيفها مع الثقافة العربية الإسلامية المتجذرة، وعلى هذا النحو يمكن أن نعي واقع الحضارة الغربية المعاصرة من خلال تشخيص موضوعي لآفاق الواقع وممكناته.
وبعد فإنها أسئلة متجددة باستمرار ما موقعنا من الحضارة المعاصرة؟ فلنعمل على ترسيخ الوعي المعرفي ورصد مفاهيمها ومنهجيتها مستمدين من الواقع التاريخي أمثلته وتحضرني مقولة مالك بن بني: (ليست الثقافة سوى تعلم الحضارة) فعلينا أن نعمل على اثارة روح التطلع والأمل إلى آفاق المستقبل المنشود في العلم والتنمية والنهضة والعمران والقوة والمنعة والعزة والارتقاء وبناء الإنسان على أساس من الخلق والعلم والطموح والوعي بالحاضر وقضاياه المعاصرة للوصول إلى الإبداع والتميز.