كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن إيران على وشك امتلاك السلاح الذري؛ ولا أعتقد أن مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تستطيع أن تجهض طموحاتها النووية، خاصة وأن العقوبات الاقتصادية لم تجدِ، وفي الوقت ذاته لن يكون في مقدرة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي منعها بالقوة، لأن تبعات أية ضربة عسكرية لإيران ستكون كارثية على المنطقة، كما أن انعكاساتها على مستوى أسعار النفط ستكون تدميريّة، في الوقت الذي لا يستطيع العالم في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية تحمل مستويات مرتفعة جداً لأسعار البترول، والتي ستنجم حتماً من تعرض إيران لأية ضربة عسكرية.
إسرائيل منذ عقود وهي تمتلك عدة رؤوس نووية، ومفاعل ديمونة في صحراء النقب مازال حتى اللحظة يعمل على إنتاج المزيد، والإسرائيليون يرفضون أن تراقب الوكالة الدولية للطاقة النووية منشآتهم النووية؛ وتقول الأنباء المتسربة من إسرائيل أنها تمتلك ما يزيد عن 200 رأس نووي إذا لم تكن أكثر.
أي أننا نقع، أو سوف نقع، بين عدوين الإسرائيلي من جهة والإيراني من الجهة الأخرى.
وأمام هذه المؤشرات المتواترة فلا بد من امتلاك الرادع النووي، مهما كان الثمن؛ فهو بالنسبة لنا ليس فقط مجرد خيار من ضمن خيارات وإنما ضرورة حتمية في عالم لا يعرف إلا منطق القوة؛ وهذا ما أشار إليه الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي وهو يتحدث عن امتلاك فرنسا للسلاح النووي يقول: (لا أستطيع أن أتخلى يوما عن هذا السلاح إلا إذا تأكدت أن العالم بات مستقراً وآمناً).
والقوة العسكرية هي اليوم سلاح سياسي بالدرجة الأولى؛ لا تلجأ الدول إلى تفعيله على أرض الواقع إلا إذا اضطرت، واستفذت كل الوسائل السياسية للدفاع عن حقوقها؛ غير أن مجرد امتلاك الدول للقوة العسكرية يدعم موقفها واستقلالها السياسي؛ فالسياسي الذي يُفاوض وهو لا يملك إلا سيفاً سيكون بالتأكيد أضعف من مفاوضه إذا كان يمتلك بندقية؛ لذا فإن منطق (توازن القوى) بين الدول يجعل من الضرورة بمكان أن تأخذ ما يملكه أعداؤك المحتملون من سلاح في الاعتبار.
كما أن هناك تياراً في الولايات المتحدة - كالجنرال المتقاعد جون أبي زيد قائد القيادة الوسطى الأميركية - يرى أن امتلاك إيران للرادع النووي من شأنه أن يجعلها أكثر اتزاناً وهدوءاً وشعوراً بالمسؤولية؛ فالعالم - في رأيهم - يستطيع أن يعيش مع إيران نووية، ويشاركه في هذا الرأي عدد كبير من المحللين الأمريكيين. إضافة إلى أن امتلاك السلاح النووي بالنسبة للإيرانيين هو موضوع اتفاق بين جميع أطياف القوى السياسية الإيرانية، حتى المعارضين منهم في الخارج؛ ويبدو أن التفريط بهذا الحق في معاييرهم يعني التفريط باستقلال إيران وقوتها ومنعتها. أيضاً هناك مؤشرات بدأت تلوح في الأفق توحي أن الإسرائيليين أنفسهم بدؤوا يظهرون بعض التفهم لتملك إيران للسلاح النووي.
يقول مؤرخٌ عسكريّ إسرائيليّ بارز هو مارتن فان كريفلد : (واضحٌ أننا لا نريد أن تمتلك إيران أسلحةً نوويةً، ولستُ أعرف إن كانوا يطوِّرونها؛ لكنهم سيكونون حمقى إنْ لم يطوِّروها). وهذا يعني أن الإسرائيليين يعرفون أنهم في النهاية سيضطرون للتعامل مع (إيران نووية) حتى وإن حاولوا أن يمنعوها بشتى السبل عن امتلاكها؛ فتجربة كوريا الشمالية، وحماية سلاحها النووي لها من ضغوطات الغرب، جعلها مثالاً يُحتذى لجميع أعداء الغرب والولايات المتحدة وفي مقدمتهم إيران.
كل ذلك يجعل امتلاكنا للرادع النووي من مقتضيات أمننا الوطني وحماية استقلال قراراتنا السياسية تجاه أية ضغوطات إقليمية أو دولية؛ فلا يبدو أن التعويل على مراقبة المجتمع الدولي لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ستجدي على الأمد الطويل؛ أما إسرائيل فلا يجرؤ أحدٌ حتى على مجرد الحديث عن ترسانتها النووية.
إلى اللقاء.