يبرز اسم حاتم الطائي، وابنه عديِّ بن حاتم رضي الله عنه، وابنته السفَّانة، كما يبرز اسما الجبلين الشهيرين «أجا وسلمى» حينما يرد اسم حائل، وعندها تصبح حائل في ذهن المتحدث والمستمع، والكاتب والقارئ، رمزاً تاريخياً عريقاً، ترتسم على محيَّا قبيلة طيء العربية الشهيرة.
ولعل هذا البعد التاريخي هو الذي دفع بالنادي الأدبي في حائل إلى العزم على إقامة «ملتقى حاتم الطائي» بعد أسابيع كما أخبرني بذلك رئيس النادي سعادة الدكتور نايف بن مهيلب الشمري، وهي خطوة أدبية بامتياز، فحاتم الطائي أصبح رمزاً من رموز العرب في الكرم، لا يذكر الكرم إلا ويذكر حاتمه، ولا يجري الحديث عن السخاء، إلا وتنجلي عن وجه حاتم معالمه. وهو كرم عجيب، ولهذا أصبح رمزاً، ومن يعرف أهل حائل واحتفاءهم بالضيف، يدرك أنهم قد ورثوا تلك الصفة، كما ورثها عدي بن حاتم الذي كان كريماً سخياً بصورة لا تقل عن أبيه حتى قال الشاعر:
بأَبهِ اقتدى عَديٌ في الكرم
ومن يشابِهْ أَبَه فما ظلم
وهو بيت مشهور في كتب النحو يُستشهد به على إعراب الأسماء الخمسة بالحركات «بأبهِ، وأَبَه» ولم يقل: بأبيه، ولا أباه.
ولعل ملتقى حاتم الطائي يكشف الستار عن سيرة ابنه عديّ الذي حسن إسلامه وروى أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي سيرة عطرة، ولكنها كثيراً ما تتوارى وراء سيرة حاتم الشهيرة التي أصبحت تجري على الألسنة ممزوجة ببعض المبالغات والقصص الأسطورية.
في حائل يرفع «النادي الأدبي» هامة الأدبي العربي الأصيل، والثقافة العربية النابعة من قيم الأمة الإسلامية ومبادئها، وثقافة الوطن العربي المسلم الذي ترتبط صورته بالحرمين الشريفين ارتباطاً أصيلاً راسخاً لا ينفصل.
كنت في ضيافة نادي حائل الأدبي الذي فتح ذراعيه الرَّحبين للأدباء والمثقفين بعيداً عن الشَّلليَّة والتصنيف الضيق الذي يجني على الساحة الأدبية وروَّادها، ويحول بين شُداة الأدب وناشئته وبين الانطلاق.
أمسية شعرية عنوانها «إني أبشِّر أمتي» حظيت بحضور أسعدني بتذوقه الراقي وكثافته المتميزة، وتفاعُلِه الجميل، وقد كشفت «المداخلات والأسئلة الكثيرة» في آخر الأمسية عن حقيقة جمهورها وجوهره، فهو جمهور مثقَّف، مدرك لمعاني الشعر ومراميه، واقف عند دلالات كلماته وقوف المتسائل الواعي الذي يوافق على بصيرة ويخالف على بصيرة.
وكان جمهور الأمسية -رجالاً ونساءً- من أهمِّ عوامل تحقيقها أهداف اللقاء الأدبي الذي يتوقف نجاحهُ على مدى التفاعل والتواصل الشعوري بين الشاعر والجمهور.
ودورة تدريبية في اليوم التالي، استمرت حوالي خمس ساعات عن الإلقاء المتميز وأساليب الإقناع والتخاطب، كان المتدربون والمتدربات فيها أنموذجاً ممتازاً للاهتمام والمتابعة والتفاعل.
وجولة مع بعض الإخوة الكرام في حائل ذات الجمال الطبيعي الأخاذ المتمثل في أرضها المنبسطة «النظيفة» وما ترسم عليها الجبال من لوحات الجمال والبهاء، ولو لم يكن إلا ذلك الامتداد الرائع لسلسلة جبل «أجا» لكفى، فكيف بها وهناك جبال صغيرة متفرقة توقع بأشكالها أجمل توقيع على صفحات الأرض الحائلية السمحة.
في حائل يترنم الشعر، ويتألق النَّثر، وفي متحف حائل الشخصي الذي أقام فيها لنا النادي الأدبي وليمة عشاء تتجلى ملامح تراث شعبي عريق، وهو متحف يستحق أن يُذكر صاحبه فيشكر «الأستاذ خالد حمود العلي المطرود» ومتحفه جدير بعناية خاصة من هيئة السياحة.
أما مسجد الراجحي الجديد وما حوله من مشروعات وقفية خيرية فهو معلم جديد من معالم حائل يشار إليه بالبنان.
تحية لحائل وأهلها الكرام.