تواجه وزارة الإسكان تحديات كبيرة في التغلب على أزمة السكن الخانقة التي يُعاني منها غالبية المواطنين؛ تراكمات العقود الماضية لا يمكن حلها بين يومٍ وليلة، إلا أن العمل الجاد، وتوزيع الأدوار، واستنساخ التجارب العالمية، وتطبيقها محليا، قد يُحقق الأهداف الطموحة، ويسهم في اختصار الزمن لتنفيذ مشروعات الإسكان التي أمر بتنفيذها خادم الحرمين الشريفين.
الإنغماس الكلي في تنفيذ 500 ألف مسكن قد يمنع الوزارة من ممارسة دورها التنظيمي، والإستراتيجي الذي يفترض أن يكون من أولويات العمل في قطاع الإسكان؛ الوزارة قد تجد نفسها غير قادرة على التعامل بكفاءة مع تنفيذ المشروع الضخم الذي يحتاج إلى إشراف دقيق، وشركات قادرة على التنفيذ السريع مع ضمان تحقيق الجودة. الشركات المحلية قد لا تُحقق طموح الوزارة ورؤيتها الشاملة، ما يجعلها أكثر حاجة للاستعانة بشركات عالمية قادرة على التعامل مع مشاريع الإسكان الضخمة بكفاءة عالية. إضافة إلى ذلك فنماذج البناء الحالية ومواصفاتها قد تحتاج إلى تعديل متوافق مع ما توصلت إليه تقنيات البناء الحديث، وبما يحقق الجودة وسرعة الإنجاز. وزارة الإسكان في حاجة ماسة إلى عقد شراكة مع إحدى الشركات العالمية المُتخصصة في تقديم الاستشارات، التخطيط، التصميم، البناء، والإشراف وبما يضمن تحقيق أهداف التنمية السكانية. تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع مع شركة «بكتل العالمية» التي أثمرت عن إنشاء مدينة عصرية متكاملة وهي الجبيل الصناعية، يمكن استنساخها مع وزارة الإسكان. حكومة قطر، ولضمان جودة مخرجات التنمية، سارعت للتعاقد مع شركة بكتل العالمية لإدارة مشروعاتها الضخمة، وتقديم الاقتراحات، والاستشارات التنموية الشاملة، والمساهمة في خطط الإعمار؛ حكومة أبوظبي استفادت أيضا من تجارب الآخرين، واستعانت بشركة عالمية لإدارة مشروعاتها التنموية وفق المعايير العالمية. حكومة دبي لديها من التجارب العالمية ما يجعلها في مقدم دول الخليج في شؤون التنمية، وما كان لها أن تحقق تلك للريادة لولا استعانتها بالشركات العالمية في جميع مراحل التنمية، وهو ما تحتاج إليه وزارة الإسكان في هذه المرحلة الحرجة.
الاستعانة بالشركات العالمية لا يعني سحب الثقة بالكلية من شركاتنا الوطنية، بل يمكن للشركات الجيدة العمل تحت إشراف شركة عالمية لضمان جودة المخرجات. أما شركات التطوير السعودية المتميزة فيمكنها أيضا المساهمة في إنجاز المشروع. الشراكة بين وزارة الإسكان وشركات التطوير ستحقق الفائدة للجميع؛ فالوزارة لديها الإمكانيات المالية، والمخططات الجاهزة، والمشروعات المعدة للتنفيذ؛ في الوقت الذي تمتلك فيه شركات التطوير الخبرة والكفاءة في إنجاز المشروعات السكنية. يمكن لوزارة الإسكان أن تُسهم أيضا في خلق شراكة جديدة بينها وبين الصناديق الحكومية ذات الملاءة المالية المُرتفعة، حيث تلتزم الوزارة بشراء المساكن التي تمولها الصناديق الحكومية أو تقوم على تطويرها وفق اتفاقيات مسبقة ما يُحقق الفائدة المشتركة لأطراف العلاقة. ويمكن للوزارة تطوير الشراكة لتضم الصناديق الحكومية، ملاك الأراضي والشركات المطورة. فكثير من ملاك الأراضي الشاسعة غير قادرين على تطويرها، وتحويلها إلى مجمعات سكنية تسهم في معالجة الأزمة، في الوقت الذي تشتكي فيه الوزارة من ندرة الأراضي المتاحة، وتتذمر شركات التطوير من ضعف التمويل. خلق الشراكة بين وزارة الإسكان، الصناديق الحكومية، شركات التطوير والبناء، ومُلاك الأراضي سيُسهم في استغلال جميع الموارد المُتاحة للتغلب على أزمة السكن المحلية.
f.albuainain@hotmail.com