إن سلوك العنف المدرسي بات ظاهرة مَرَضية، تستشري في معظم مدارسنا؛ ما يثير قلق أولياء الأمور، وتوتر وفزع الطلاب، واضطراب المجتمع المدرسي، وخلل العملية التعليمية، التي هي وظيفة المدرسة الأساسية، فضلاً عن كونها وسيلة تطوير ورقي المجتمع وسمو نمط الحياة، وتشكيل الشخصية السوية ونمو الوعي الإنساني.
ومع اتساع مساحة أنواع وأشكال وصور سلوك العنف المدرسي فسوف نتعرض اليوم لما يمارسه المعلِّم من سلوك عنف تجاه طلابه.. أي حالة العنف في المحيط المدرسي.
إنَّ حالة العنف هذه، التي تخص المؤسسة التعليمية، هي المنتجة لسيناريوهات: 1- العنف اللفظي. 2- العنف الجسدي. 3- العنف المعنوي.
وهو ما يؤدي إلى انتهاك قيم ومبادئ الثقافة الإسلامية، التي منها احترام الإنسان؛ كونه إنساناً، والتقبل والرضا والتسامح ودبلوماسية الحوار وأدب الاختلاف وقبول الآخر.. إلخ.
وإزاء ذلك يفقد الطالب توازنه ومنهج أعصابه، ويفقد حلمه وهدوءه، ولا يجد أمامه من سبيل سوى العراك، ومردوده الطبيعي الانحراف عن جادة الصواب واكتساب مسلكيات جانحة، والدخول في الدائرة غير المرغوب فيها من الأفعال والأقوال. لقد أصبحت المدرسة حلبة اقتتال، وهنا يثور سؤال: لماذا تحولت المدرسة من كونها مؤسسة تربوية تعمل على تحقيق النمو المتكامل للطالب نمواً عقلياً وبدنياً ووجدانياً، والعمل على تحقيق تفاعله السوي مع جماعة المدرسة وإمداده بعوامل صقل قدراته وتنمية مهاراته وتهذيب مواهبه، إلى بيئة لإخراج كائن انفعالي عصبي المزاج متصلب الرأي مشوه الذهن مشكل اجتماعياً ومعاق سلوكياً؟ لماذا تحولت المدرسة عن أساليب التنشئة الحديثة، وتمحورت حول الأساليب البيروقراطية التقليدية القديمة؟ لماذا تخشى المناهج الحديثة؟ لماذا تصم آذانها عن الجديد في نظم التربية المقارنة؟ لماذا تهاب النموذج شكلاً وموضوعاً في السياسات والاستراتيجيات؟ لماذا تتصلب أمام التفرقة بين التكلم المعلوماتي والتكوين السلوكي الموجه؟ لماذا تتخلق فقط حول أساليب التلقين في بوتقة التحصيل استعداداً للاسترجاع دون الدخول في عمليات النقد المبدع الخلاق؟ لماذا لا تشجع الطالب على المنهج الاستقرائي وهو المنهج العلمي الذي ترتضيه تحولات العصر؟
والمنهج العلمي يقودنا إلى المضمون التخليقي، وليس الشكل الصوري؛ حيث المضمون يرتبط بالتربية الأخلاقية والإنسانية والارتباط بين التعلم والسلوك.
وبناء على ذلك فإن علاج ظاهرة العنف المدرسي تكمن في أن تهتم المدرسة بتجسيد دورها في دعم التربية الأخلاقية؛ حيث تصبح مؤسسة تربوية تأهيلية تكوينية؛ فمدخلاتها من لبنات المجتمع، ومخرجاتها لخدمة المجتمع، وهذا وحده كفيل بتطوير أداء العمل التربوي، بما يتلاءم مع مرحلة التطوير التي تتسلح بالعلم في الواقع السعودي المتألق حضارياً في زمن رفرفت فيه راية التنوير تبعاً لعملية الحراك العلمي الذي مُنيت به المملكة في هذا الوقت من الزمن الذي يتسم بالحراك الإيجابي الذي يحمل في طياته الإقدام، والذي يحمل عبق الحرمين الشريفين اللذين يؤمهما القريب والبعيد.
هذا الثراء النفسي والروحي لا يستقيم معه العنف بأي شكل من الأشكال. هذا الثراء لا يصلح معه الانحراف عن خط السواء؛ لما يحمله من زخم الفكر والتأمل التشخيصي؛ فلا للعنف، ونعم للسواء السلوكي.