أتابع عن بعد معارك التدافع في الأندية الأدبية بين المحسوبين على الساحة الأدبية والمحسوبين على الساحة الشرعية، ويزداد التدافع بين الأدبي والشرعي خصوصا عند انتخابات الرؤساء والأعضاء الدورية. اهتمامات ومجالات الأندية الأدبية بحد ذاتها (آداب وفنون وإبداع) تبدو عندنا ضبابية ً مثلما يبدو البحر الواسع لمن يقف على شاطئه لا يرى منه غير الأمواج القريبة والضباب البعيد. سوف أجازف وأزعم عدم ثقتي في معرفة الأطراف المتدافعة في الأندية الأدبية لما يتصارعون ويتدافعون من أجله. مسألة محاولة إثبات الحضور في التجمعات والندوات الأدبية وإبداء الرأي وتسجيل نوع ما من التميز مفهومة ومنطقية لمن درسوا وتخصصوا في الفنون والآداب وللمواهب المنجذبة فطريا للجمال والإبداع. الانصراف والتفرغ لتلك المهمة يكون لمثل هؤلاء قضية انجذاب وهواية ومهنة يعتاشون منها ويحاولون إضافة أشياء جديدة عليها. بكل بساطة، الساحات الأدبية بالنسبة لهؤلاء هي فناؤهم الذي يتنفسون ويلعبون ويثيرون الغبار أو يزرعون الزهور والألوان فيه، ولذلك يسمون شرقا وغربا الأدباء أو أصدقاء الفنون الجميلة. انطلاقا من هذا المفهوم المحدد للموهبة والتفرغ أعتقد أن أكثر المحسوبين على الساحات الأدبية المحلية متسللون حتى لو كانوا حاصلين على شهادات من كليات الآداب. لقد وجدوا أنفسهم هناك بكل بساطة لتواضع القدرات في مجالات الحياة الأخرى. لابد لهم من وسائل يعتاشون منها ويثبتون حضورا اجتماعيا ما من خلالها، وليس أسهل من ذلك في المجتمعات التي تكون فيها الآداب والفنون مجرد ملحقات تجميلية للفراغ الهائل. إنها بذلك تشبه النباتات والزهور البلاستيكية في المباني الرخامية الباردة، لا طعم لها ولا رائحة. أعتقد، وأتوقع أن هذا سوف يغضب بعضهم، أن ما قدمته الساحة المحلية حتى الآن مما يسمى المحصول أو الإنتاج الإبداعي ما زال متواضعاً وضامراً. مقارنة بسيطة ببعض الكتاب الأفارقة والهنود واللاتينيين تجعلنا ندرك ذلك. التطبيل المدفوع الثمن في لبنان وفي زوايا معارض الكتب العربية السنوية لبعض كاتباتنا وكتابنا مجرد ترويج لمبيعات أكبر في بلدان الخليج العربي. حصولنا أيضاًً على بعض جوائز القصة الأوروبية فيه من محاولات التشجيع والمجاملة أكثر مما فيه من المحتوى الإبداعي المتميز.
العجيب أن هذا الواقع المتواضع للمشهد الثقافي المحلي، وربما بسبب هذا التواضع، لم يكن كافيا ً لترك ساحاته للمنتمين إليه احترافاًً ومهنياًً، بل أوجد لهم حساداًً ومنافسين ينتمون إلى ساحات أخرى صاروا يزاحمونهم ويتدافعون معهم على الحيز الضيق الذي يتحركون فيه. أحد المحسوبين على العلوم الشرعية عملاًً وإعلامياً نقل عنه قوله: إنه وزملاءه يزاحمون على المراكز في الأندية الأدبية لأنهم يفهمون من خلال ما درسوه في الشريعة واللغة العربية أكثر مما يفهمه خريجو البكالوريوس من الكليات المتخصصة في الآداب، والزعم يشمل بالطبع الآداب المحلية والعالمية وكل أنواع الفنون الجملية. هذا الزعم السهل الميسر في الساحة المحلية لا يمكن أن يصدر من غير متخصص في مكان آخر لأنه غير قابل للتصديق ولا يتوقع أصلا ً أن يقال. المقارنة تشبه أن يزعم أستاذ ألماني مثلاًً في علوم اللاهوت في جامعة برلين أنه يفهم في الآداب الألمانية أكثر من خريج كلية الآداب في نفس الجامعة. سوف تضج القاعة التي يقال فيها مثل هذا الزعم بالضحك، وينتقل النقاش إلى موضوع أكثر جدية.
اختلاط الأمور بهذه الطريقة يوضح الأهداف الحقيقية. ليس الموضوع برمته معنياً بالإبداع والآداب والفنون الجملية بقدر ما هو محاولة للاستيلاء على المنابر والتطفيش المتبادل وإبقاء الجماهير على الحال التي هي عليه، لكنها معركة بين فاشلين لأن عوالم الإبداع العالمية أصبحت مفتوحةً للجميع بنقرة أصبع.