الحروب البشرية لا تخلف بقاياها من دمار، وجوع، ومرض، وأمراض نفسية، وفقر، وعطش، بل هي تترك من الفقد ما لا يطال المشاعر، والأحاسيس بل الأفراد من البشر..
هناك تائهون بعد الحروب..
هناك مفقودون عن بيوتهم، وأوطانهم..
هناك ضائعون من هوياتهم، منكرون من انتمائهم...
ثرى الأرض يلم أشلاء الجثث بمثل ما تعمر فضاءاته آهات القلوب المجروحة...
ولعل من مزايا المخترعات الحديثة أنها تنقل بالصوت والصورة الوجوه الكالحة بضياعها..
الهزيلة لجوعها..
الخائفة لوحدتها..
الهلعة لظلام دربها...
البائسة لعدم حيلتها...
حتى الدول الكبرى التي تندب أفراد جيشها تفقد منهم من يبحث عن هويته، ويطالب بعودته، ويتحسر لمشاركته..
كم من البيوت هدمت نفوس أفرادها لفقد عائلها،،وشتات ضحكتها، وتمزق جمعتها...
بالأمس رغبت في مراجعة إضبارة كنت قد لملمت فيها صورا للعجزة، والمفقودين، والجوعى، والعطاشى، والمصابين، وبؤساء الحروب..
أردت أن أضيف إليها العديد مما اجتمع في حوزتي.. ولشد ما انبعثت الأحزان ناطقة لصور عديدة بينها عجوز فلسطيني يدك عصاته في أرض لعلها أن تكون شبيهة بأرض بيته الذي أصبح مقرا لمحتل لم يعبأ بحقه..
تنبئ سحنته بتيه يلفه، وضياع يلون كل جزيئة في وجهه...
وأخرى لجندي نسيته فرقته فتكالبت عليه الأمراض والفقد وأصبح بلا هوية ولا وطن...
منهم من يناشد بلاده، ومنهم من يناشد الوصاة عليه..
ضحايا الحروب حقيقة ناطقة عن قهر يصنعه الإنسان..
فيما يتشدق بالإنسانية، ويقرأ أبجديتها وفق أجندة نواياه..
الحروب البشرية لا توقف آثارها على الماديات، بل تطال كل محسوس، بل هي تمد رؤوسهها المدببة لأنسجة الإنسان، والأقسى قلبه الذي لا يصمت إلا بالموت..