|
أفاد رئيس شركة «كوكا كولا» التنفيذي في حديث له مؤخراً مع صحيفة «فاينانشال تايمز» عن اعتقاده بأن الصين تشكل مكاناً أفضل من الولايات المتحدة لمزاولة الأعمال. وتعزى تصريحات مختار كنت إلى تعقيدات قانون الضرائب الأميركي، والمشهد السياسي المنقسم إلى حزبيْن متعارضيْن في البلاد. لا شكَّ في أن «كوكا كولا» تواصل الاستثمار في الولايات المتحدة، ولكن، شأنها شأن معظم الشركات الأميركية المتعددة الجنسية، باتت توظِّف استثمارات أضخم الآن في أسواق مجموعة دول «البريك» الناشئة (أي البرازيل وروسيا والهند والصين).
يُبدي الصينيون إعجابهم بالولايات المتحدة، ولا سيما روح المبادرات وإطلاق المشاريع فيها، فضلاً عن سجلها الحافل بابتكارات الترويج التجاري. إلا أنهم يخطون خطوات واسعة بدورهم وعلى الولايات المتحدة ألاّ تستهين بقدرات الصين الابتكارية. ويتمتع المجتمع الصيني بقدرة تنافسية عالية، وحين سيعجز الصينيون عن جني الأموال الميسَّرة عن طريق تقليد المنتجات، سيشرعون في الابتكار. والسؤال الذي يُطرح إذاً ليس حول إمكانية، إنما حول متى سيبصر النور في الصين صاحب مشاريع شبيه بستيف جوبز.
تكثر فرضيات يتمناها الأميركيون بأن الصين ستتعثَّر في مسارها، أقلّه سياسياً إن لم يكن تعثُّرها اقتصادياً. لقد سجَّلت الحكومة الصينية أكثر من 10 سنوات من النمو الاقتصادي الاستثنائي، ولا تزال ثقة المواطنين بحكامهم مرتفعة. تُسلِّط أحدث خطة خمسية أطلقتها الحكومة الصينية في وقت سابق من السنة الجارية، الضوء على الحاجة إلى الاستثمار الطويل الأمد في عمليات البحوث والتطوير، في سبيل تحويل الصين من «مصْنع للعالم» إلى اقتصاد خدمات استهلاكي وابتكاري. ويدرك الصينيون تمام الإدراك أن علامة تجارية ابتكارية مثل «آبل» أو «نايكي» تكون مربحة أكثر من شركة تصنيع تجهيزات أصلية، وباستطاعتهم الاقتداء بأمثلة يابانية وكورية جنوبية على غرار «سوني» و»سامسونغ».
وسيستغرق تطوُّر القدرات الابتكارية الصينية لتصبح على قدم المساواة مع الولايات المتحدة عدة عقود من الزمن، إلا أن الصينيين ينتهجون خطة واضحة طويلة الأمد، ويتمتعون بسوق محلي فائق التنافسية يتطلب الابتكار، ونظام تعليم عالٍ ملفت بشكل متزايد، وجيش من العلماء ذوي التدريب الجيد، وشركات متعددة الجنسية في الخارج تضخ الأموال في مراكز البحوث والتطوير داخل الصين على شكل تعرفة دخولها إلى أسواقها.
كما يدرك الصينيون ما يعزِّز من قدرة أميركا التنافسية، ويسعون إذاً إلى الثقافة ذاتها المتمثِّلة بالمبادرات وإطلاق المشاريع والابتكار وتحقيق الثروات، إنما من دون المأزق السياسي والعمالة غير الكاملة. ويدرك الصينيون أيضاً أن النزعة السياسية العديمة الجدوى في إلقاء المسؤولية واللوم على بلادهم خلال سنة تشهد فيها الولايات المتحدة حملة انتخابية، هي الثمن الواجب دفعه لتحقيق التقدُّم وتعزيز القدرات.
تتأهَّب الصين بصبر طويل لكي تصبح الدولة الرائدة في العالم، وبالنتيجة، يجب ألاّ ننسى أنها أكبر دولة من حيث عدد السكان. بيد أننا لن نسمع تصريحات متغطرسة كثيرة من بيجينغ إذ إن الصين تعلم جيداً أن درب التفوُّق لا يزال طويلاً.
(جون كويلتش هو عميد «كلية الأعمال الدولية الصينية الأوروبية» في شنغهاي.)