لو عرضنا جغرافية هذه المنطقة العزيزة من وطننا لعلمنا أن منطقة جازان واحدة من مناطق المملكة التي لا تأتي في الصدارة من حيث المساحة بالنسبة لإجمالي مساحة الوطن الغالي، بل تأتي قبل أصغر منطقة من مناطق المملكة الثلاث عشرة «الباحة»، إلا أنها تتمتع بتنوع طوبوغرافي متميز: واجهة بحرية على البحر الأحمر وخط ساحلي يبلغ طوله حوالي330 كيلو مترا وسهل ساحلي وجبال وأودية وجزر تبلغ الثمانين، أكبرها جزيرة فرسان المعروفة والمشهورة. أما مناخها فمتأثر بالرياح الاستوائية ومتنوع تبعا لتنوع مظاهر المنطقة الطبوغرافية، فمناخ السهل الساحلي معتدل في فصل الشتاء وحار رطب في فصل الصيف، وتنخفض درجة الحرارة بشكل عام باتجاه المرتفعات.
وبهذا التنوع المناخي يجعلها مشتى في فصل الشتاء في مناطق السهل الساحلي وفي الجزر التابعة للمنطقة، ولربما مصيفا في مناطق المرتفعات، مثل فيفا، وأمام المنطقة طريق رحب لعلها تعبر من خلال تنميتها إلى آفاق السياحة الرحبة. وهنالك من المؤشرات ما يدفع إلى التفاؤل بمستقبل مشرق بحول الله لهذه المنطقة الواعدة.
ومن يتحدث عن هذه المنطقة ولا يعرج على الجانب الثقافي فيها؟ إنها موطن محمد بن أحمد العقيلي رحمه الله، إذ كان واحدا من الرواد الذين تركوا موروثا ثقافيا غنيا في مجالات الأدب والشعر واللغة والجغرافيا والتاريخ والآثار. وبلا شك فإن العقيلي، رحمه الله، يعد من رواد النهضة الفكرية على مستوى المنطقة بل الوطن. ففي مجال الشعر له باع طويل فيه، ومن مؤلفاته على سبيل المثال لا الحصر: المعجم الجغرافي لمنطقة جازان، الآثار التاريخية في منطقة جازان، سوق عكاظ في التاريخ، دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وفي قصيدة جبل فيفا مستشعرا توجهاته نحو بعض المظاهر الطبيعية في جازان فيقول عن فيفا:
فيفا هل لي بأن اجلوك للفكر
في معرض الفن كالرسام للصور
فاليوم قد آن أن تجلى محاسنها
ويبرز الفن منها درة الفكر
وبالنسبة للطبيعة البحرية لجازان فيقول العقيلي:
جازان إني من هواك لشاكي
أفتعطفين لمدنف يهواك
أصغى إلى همسات قلب طامح
متوثب الالهام والإدراك
مشبوب أرجاء الشغاف يلوح
من خلل الأضالع كالسراج الذاكي
ولقد نظرت إليك نظرة شاعر
سامي الخيال مدله بهواك
يرعى شواطئك الجميلة هاتفا
ومغردا بجمالها ورؤاك
وهي المنطقة نفسها موطن الشاعر الراحل محمد بن علي السنوسي رحمه الله، الشاعر الذي قدم للمكتبة العربية دواوين شعر مميزة: القلائد والأغاريد والأزاهير والينابيع ونفحات الجنوب. ومن قصيدته «أمامك دنيا» يقول فيها:
أمامك دنيا ترهق القلب والعقلا
فيا خاطري رفقا ويا ناظري مهلا
تحير فيها المصلحون وأعجزت
نهى الفيلسوف الفذ والشاعر الفحلا
يعيش بها الإنسان طفلا وإن بدا
لعينيه كهلا ثم يتركها طفلا
وإلى لقاء إن شاء الله.
alshaikhaziz@gmail.com