العبّاس بن عبدالمطلب هو: عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وُلد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث سنوات، قال الهيثميّ في المجمع: روى مغيرة عن ابن رزين قال: قيل للعباس أنت أكبر أو النبي؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولِدتُ قبله (9-270). ورَدَ في فضله ومناقبه، أحاديث كثيرة، فقد أخرج الترمذي في المناقب: أنّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بال رجال يؤذونني في العباس، وإن عمّ الرجل صِنْوُ أبيه، من آذى العباس فقد آذاني (3758)، وأورد ابن الأثير حديثاً عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ومنزلي ومنزل إبراهيم اتجاهين في الجنة، ومنزل العباس بن عبدالمطلب بيننا، مؤمنٌ بين خليلين» (أسد الغابة 3-166) ورواه ابن ماجه في سننه.
قال الذهبي في ترجمته التي استقاها من خمسة وعشرين مصدراً، ووردت في أربع وعشرين صفحة، إنه أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه، وخرج مع قومه إلى بدر مُكْرهاً، فأُسِر يوم يومئذٍ، فادّعى أنه مسلم، فالله أعلم، وكان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم وأجهرهم صوتاً، مع الحلم الوافر، والسؤدد، فكال بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما قدم الشام، فجعلتْ البطارقة تسلّم عليه، فيشير: لستُ به إنّه ذاك، وأشار لهم.
وكان من أسرى بدر، أسره أبو البشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف أسرته»؟ قال لقد أعانني عليه رجل ما رأيته، قبل ولا بعد هيئته كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أعانك عليه ملكٌ كريم»، ثم قال عليه الصلاة والسلام للعباس: «إفْدِ نفسك، وابن أخيك عقيلاً، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن جحدم»: فأبى وقال: إني كنت مُسْلماً قبل ذلك، وإنما استكرهوني، قال: «الله أعلم بشأنك، إنك كما تدّعى حقاً، فالله يحزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافْدِ نَفْسَكَ».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفَ أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهباً، فقال العباس: يا رسول الله احسبها من فدائي، قال: «لا ذلك شيء أعطانا الله منك». قال: فإنه ليس لي مال، قال: «فأين المال الذي وضعته بمكة، عند أم الفضل، وليس معكما أحد غيركما، فقُلتَ: إن أُصِبت سفرى، فللفضل كذا، ولقثم كذا ولعبدالله كذا»، قال: فوالذي بعثك بالحق، ما علم بهذا أحد من الناس غيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله.
قال العباس: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام، عشرين عبداً، كلهم في يده مال يضارب به، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى، قال ابن عباس: أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسرى في الوثاق، فبات ساهراً، أول الليل فقيل: يا رسول الله مالك لا تنام؟ قال؟ سمعتُ أنين عمي في وثاقه، فأطلقوه فسكتَ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم (سير أعلام النبلاء للذهبي 80-82).
وله مواقف في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وقبل أن يسلم وشهِدَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة لما بايعه الأنصار، ليشدد له العقد، حتى لا يُسْلِمُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (أسْد الغابة 3-164).
وفي الدفاع عن بقائه بمكة، وأنه أسلم قبل الهجرة، وكان يكتم إسلامه قال ابن الأثير: كان العباس بمكة يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبار المشركين، وكان مَن بمكة من المسلمين، يتوقّون به وكان لهم عوناً، على إسلامهم، وأراد الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «مقامك بمكة خير»، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «من لقي العباس فلا يقتله فإنه أُخْرجَ كُرْهاً»، وقصة الحجاج بن عِلاط، تشهد بذلك، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت آخر المهاجرين كما أنني آخر الأنبياء» (أُسْد الغابة 3-165).
وأوجز سيرته الزركلي في كتابه الأعلام فقال: من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام، وجد العباسيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه: «أجود قريش كفّاً وأوصلها رحماً، هذا بقية آبائي، وكان مُحْسناً لقومه سديد الرأي، واسع العقل، مُولعاً باعتقاق العبيد، كارهاً للرق، اشترى 70 عبداً وأعتقهم، وكانت له سقاية الحجاج، وعمارة المسجد الحرام، وهي أن لا يدع أحداً يسب أحداً في المسجد، ولا يقول فيه هجراً»، شَهِدَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، فكان ممن ثبت حين انهزم الناس، وشهِدَ فتح مكة، وعمي في آخر عمره، وكان إذا مرّ بعمر بن الخطاب في أيام خلافته، ترجل عمر إجْلالاً له، وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وقد أُحصي ولده في عام 200 فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً، وكانت وفاته في المدينة عن عشرة أولاد ذكور، سوى الإناث عام 32هـ، وله في الصحيحين 35 خمسة وثلاثون حديثاً، (الأعلام للزركلي 4-35).
أما الإمام أحمد فقد أورد في فضائله 84 أربعة وثمانين حديثاً، (فضائل الصحابة 2-915 - 949).
وقد أخرج البخاري من طريق الأنصاري عن أبيه، عن ثُمامة عن أنس قال إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد خرج يستسقى، وخرج العباس معه يستسقى، ويقول: اللهم إنا كنا إذا قحطنا، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نتوسل إليه بعم نبيك.
وقد كان عمر رضي الله عنه، أراد أن يأخذ له داراً بالثمن، ليدخلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامتنع حتى تحاكما إلى أُبي بن كعب، ثم بذلها بلا ثمن، كما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَمِرَ إلى ميزاب للعباس، على ممر الناس فقلعه، فقال له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه، فأقسم عمر رضي الله عنه: لتصعدنّ على ظَهْري، ولتضعنه موضعه، أخرجه الإمام أحمد (1-210)، وابن سعد في طبقاته وسنده حسن (4-20).
اعتبره الكتاني في كتابه معجم فقه السلف، من فقهاء الصحابة وأورد له مسائل، انفرد فيها بالرأي الصائب، مستدلاً بالدليل الشرعي.
ففي سلامة المبيع مِنْ الغَبْن، أجمع الفقهاء على أنّ البائع، أو المشترى إذا لم يشترطا السلامة، ثم وُجِد غَبنٌ على أحدهما، ولم يكن عَلِمَ به، فإنّ للمغبونِ إنفاذ البيع أو ردّه، فإن فات الشيء المبيع، رجع المغبون منهما بقدر الثّمن، مستدلّين بوقائع حصلت في عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطوا فيها حكماً، ومن ذلك ما رُوِيَ عن أُبَيّ بن كعب: أن عمر بن الخطاب والعباس بن عبدالمطلب: تحاكما إليه في دارٍ كانت للعباس، إلى جانب المسجد بالمدينة، أراد عمر بن الخطاب أخذها ليزيدها في المسجد، وأبى العباسُ، فحكم أبيٌّ بن كعب برد البيع، من الخديعة في نقصان الثمن، عن قيمة البيع. (معم فقه السلف 6-107).
ومع بيان الحكم الذي حرص العباس، على ظهوره ليتأسى به الناس، حتى لا يُغْلِبوا على ممتلكاتهم، فإنه طاب نفساً بهذه الدار، وقدمها في توسعة المسجد بدون عِوَضْ.
وامتناع العباس أولاً عن البيع لداره، التي أرادها عمر زيادة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صادر عن دلالة شرعية، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيعان في الخيار ما لم يتفرقا، ويقول أحدهما لصاحبه اختر»، وربما قال: أو يكون بيع خيار. (معجم فقه السلف 6-116).
والقول في مواريث الفرائض: هو أن يجتمع في الميراث ذَوو فرائض، سماة لا يحتملها الميراث، وهو قول، أو من قال به زيد بن ثابت، ووافقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصح عنه، ورُوي عن علي وابن مسعود، وذُكِر أيضاً عن العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفر من التابعين. (معجم فقه السلف 6-248).
رضي الله عنه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أحرصهم على التوقّي في أعمالهم ومعاملاتهم، وفي فهم الشرع والقياس فيما لم يكن مرّ عليهم فيه دليل شرعي.
ولذا استحقوا الخيرية بمنطوق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم».